فى عصر ما بعد الحداثة الذى نعيشه، صار كل شىء مصنوعًا، لم يعد جمال المرأة مجرد هبة طبيعية ولدت بها ولكن صار صناعة كبيرة، أبسطها مساحيق التجميل وتتدرج فى مستويات عديدة لتصل لمستوى الجراحات التجميلية التى تغير الملامح نهائيًا. لم تعد الموهبة إلهامًا واستعدادًا خاصًا، بل صارت صناعة، فلا بد من صقلها بالدراسة المناسبة والاطلاع الشامل ودورات وورش العمل، ولابد من مساندتها بالعلاقات الجيدة والتسويق والترويج. لم يعد النجم نجمًا لمجرد أنه جذاب متميز، ولا الزعيم زعيمًا لامتلاكه كاريزما الزعامة، بل صار هناك فريق يعمل بشكل منتظم وعلمى ليصنع نجمًا أو يقدم زعيمًا. حتى الثورات لم تعد مجرد هبات شعبية ضد الظلم والاستبداد، فهذا وحده لا يكفى، إذ أن هناك خططًا ومناهج مضادة للثورات، يمكنها بسهولة إجهاضها فى هذا البلد وإشعالها فى بلد آخر. فى ظل روح العصر التى تحتفى بالصنعة وتبتعد عن الفطرة، لماذا نظل متمسكين فى مؤسسة الزواج بالعثور على النصف الآخر الذى يوافق أحلامنا جاهزا كما نتمناه؟ ولماذا لا ندرك أن هناك فناً جديدًا يمكن تسميته (صناعة النصف الآخر). مثل كل شىء آخر، لابد من تواجد البذرة التى نبنى عليها فلا يمكننا البدء من فراغ ولا يمكننا أيضًا إلقاء البذور فى غير تربتها الصالحة، وبالتالى ستظل الخطوة الأولى كما كانت دائمًا هى ظهور ابن الحلال أو بنت الحلال ثم يبدأ العمل. العمل بناء جسور واكتساب ثقة واقتراب حذر لمعرفة المفاتيح الخفية للشخصية، تلك المفاتيح تختلف كثيرًا من شخص لآخر، ولكن سرها يكمن فى معرفة همه الحقيقى، هناك نسبة كبيرة من الرجال همها ينحصر فى عملها، وفى هذه الحالة تكون المهمة واضحة، فما على المرأة إلا أن تشجعه، تؤيده، تتحمس لنجاحاته البسيطة وتهون من إخفاقاته، هناك من يكون همه فى علاقاته المتوترة مع أسرته أو أصدقائه، وفى هذه الحالة تكون المهمة أيسر على المرأة، فهى بطبيعتها ماهرة فى إدارة العلاقات بنجاح ويمكنها أن تساعده فى حلها، هناك أمور أخرى مثل طموح لم يتحقق أو مشكلة معلقة ولكل نوع أسلوب وطريق مناسب. المرأة الذكية ليست تلك التى حققت تفوقاً فى الدراسة، وليست هى التى تعمل مديرة إدارة، ولكنها تلك التى تحسست طريقها لقلب زوجها وعرفت مفاتيحه وامتلكتها وأدارتها بنجاح لصالحه هو قبل أن يكون لصالحها. وهذا ما نلمسه كثيرا فى الواقع، عندما نجد من ارتبطت بزوج، فعَلا نجمه وزاد نجاحه، واستطاعت أن ترتبط بأهله وتربطه بأهلها، وشفيت جروح نفسه وازداد تفاؤله وإقباله على الحياة، ونراه يرد لها الجميل مضاعفاً وبفوائد مركبة حبًا واحترامًا وحناناً وسعادة تغمرهما معًا وتنتشر فى الأسرة الكبيرة وتغلف أسرتهما الصغيرة بذلك اللون الفضى الشفاف للحب. عندما تقول لى الزوجة الصغيرة أنا أجتهد كثيرا فى إسعاده فأرتدى خير الثياب وأتزين وأصنع الطعام الفاخر وأهيئ أجواءً للحب ولكنه لا يتجاوب معى. أقول لها عفوا أنتِ هنا تجتهدين لإسعاد نفسك وليس إسعاده هو، فأنتِ التى ترتدين وتتزينين وتهيئين لأن تلك الأفعال ترضيك وتسعدكِ ثم تفرضين عليه أن يقوم بالدور المطلوب منه حسب سيناريو قمت أنت بإعداده مسبقاً فلا تلوميه، لأنه لم يكن مستعدًا للقيام به، فحتى الممثل المحترف من حقه أن يعتذر عن أداء دور ليس مقتنعاً به. ليس هذا هو الحب، ولكن الحب مشاركة، الحب حركة متناغمة بين شخصين، إذا تقدم أحدهما خطوة تراجع الآخر أمامه مفسحًا له الطريق، ثم تتكاتف الأيدى ليتقدما معًا، الحب تناسق وتناسب وصوت يجد صداه وقلب يعثر على نصفه الآخر، الحب فن يشمل كل الفنون فيما عدا التمثيل. إذا اتفقنا أن الحب فن وعمل، فإننا بذلك نخرج الجدال والنقاش تمامًا من حسابنا، فهذا هو العدو اللدود الذى لا نريده أبدا، هل يتناقش الفنان مع لوحته؟ أم يمضى معها محلقاً فى عالم الجمال الخالص؟ هل يجادل الشاعر قصيدته؟ أم يبثها شجونه وعاطفته وجنونه؟ صناعة النصف الآخر معناها أن تفهميه وتتناغمى معه فى الحركة وتكونى وحدك قصيدته وريشته وواحته الظليلة التى يرتاح لديها من وعثاء الطريق.