إنه واحد من الذين يستعملون عقولهم في تأمل الدلائل حتى يكون إيمانه مستنداً إلى اليقين لا إلى التقليد؛ فقد كانت رحلته الحياتية رحلة بدأها بالشك الداعي للبحث والتأمل وأنهاها باليقين والإيمان العميق بالله سبحانه وتعالى. إنه العالم الدكتور مصطفى محمود الذي رحل عنا صباح السبت الموافق 31 أكتوبر لعام 2009 بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز 88 عاما. شيعت الجنازة ظهر السبت من مسجد أطلق عليه أسمه بحي المهندسين، وقد حضر مراسم الجنازة نخبة من المفكرين والفنانين والآلاف ممن يمثلون المجتمع بكافة فئاته وخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة. وقال نقيب الصحفيين إن الفقيد سخر حياته لخدمة الفقراء الذين جاءوا اليوم ليودعوه ويلقوا النظرة الأخيرة علي جثمانه وكأنهم يشكروه للخدمات الجليلة التى قدمها لهم خلال مشوار حياته من خلال اقامة المشروعات الخيرية ودعمهم وبناء المستشفيات. دعوني أصادقكم القول بأنني لا أعرف تحديدا ماذا يمكنني ان أكتب إزاء فقدنا قامة فكرية انسانية بحجم الدكتور مصطفى محمود! فعندما نشرت بعض كلمات الرثاء في تأبين الشاعر الكبير محمود درويش ظن البعض أنني فلسطينية الأصل ورغم ألم الفراق وقتذاك إلا أنني شعرت بشئ من السرور يتسلل إلى عيون القلب ليمسح عني بعض دموعي..فقد سعدت لأنهم شعروا أنني جزء من القضية الفلسطينية وهي جزء مني.. أما دكتور مصطفى -ابن بلدي (مصر)- فقد حمل قضية وجودية ألا وهي "العلم والإيمان" والتي ناقشها على مدى 400 حلقة تليفزيونية في برنامجه الشهير الذي يحمل نفس الاسم.. كما عبر عنها وعن قضايا اخرى من خلال كتبه فقد ألف 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة..غير ان أفكار معظمها قد أثارت جدلا واسعا حتى ان البعض اتهمه بالإلحاد!ويذكر ان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أصدر قراراً بمنع كتابه "الله والإنسان" ومصادرة جميع النسخ المتاحة بالأسواق لكن في عهد السادات أُعيد طبعه بعد ان اطلع عليه سيادة الرئيس ونال اعجابه. رحم الله عالمنا الجليل ورحم الله جميع الموتى .