أصْدَرَ رئيس جامعة عين شمس قرارا بتحويل أربعمائة معيد إلى وظائف إدارية ، لأنهم تجاوزوا المدة المحددة لهم للانتهاء من رسالة الماجستير وهي خمس سنوات . ويجب التحرك فورا لإيقاف تنفيذ هذا القرار الظالم ، ومُحَاسَبَة رئيس الجامعة على قراره الذي أثار الفزع ليس في جامعة عين شمس وحدها ولكن في كل جامعات مصر . لقد أصْدَرَ رئيس الجامعة هذا القرار تطبيقا للنص الحرفي للمادتين رقم 155 والمادة 156 من قانون تنظيم الجامعات اللتان تنصان على نقل المعيد أو المدرس المساعد إلى وظيفة إدارية إذا لم يحصل على درجة الماجستير إذا كان معيدا أو درجة الدكتوراه إذا كان مدرسا مساعدا خلال خمس سنوات" . إن المعيد هو أكثر الناس رغبة في أن ينتهي من رسالته على وجه السرعة ، ولكن المراحل التي تمر بها الرسالة منذ تعيينه حتى الحصول على الدرجة ليست في يَدِه إطلاقا بل هي في يد مجلس القسم ومجلس الكلية والمشرفين ، وهو في معظم الأحيان ليس مسئولا عن التأخير . المعيد بعد تعيينه ليس بيده أن يسجل لدرجة الماجستير ، ولا أن يحدد ميعاد تسجيله ، بل إن مجلس القسم هو الذي يقرر ذلك وهو الذي يحدد الميعاد ، ويحدد ميعاد التحاق المعيد بالدراسات التمهيدية التي تسبق التسجيل ، وهو الذي يختار المقررات التي يدرسها المعيد . أعرف بعض الكليات لم تقرر قبول المعيدين في هذه الدراسات إلا بعد سنتين كاملتين ، وأحسب أن فكرة هذه الدراسات التمهيدية ، جاءت بعد دخول هاتين المادتين في قانون تنظيم الجامعات لا قبْلها . وبعد القبول في الدراسات التمهيدية يستغرق المعيد عاما على الأقل في إنجازها ، وقد يطول إلى أكثر من عامين . ثم ينتظر بعد ذلك موافقة مجلس القسم على موضوع الرسالة ثم موافقة مجلس الكلية ، ثم موافقة المجلسيْن على اختيار المشرفين ، وقد ينشب خلاف حول لجنة الإشراف ، فيستغرق التوفيق بينهم فترة طويلة ، وقد تتغير لجنة الإشراف وتمر فترة طويلة لحين تكليف لجنة أخرى . ثم يأتي دور المراجع والإمكانات اللازمة لإتمام الرسالة ، وكلنا يعرف مدى ضعف هذه الإمكانات ، وإن المعيد هو وحده الذي يتحمل عبء توفيرها والإنفاق عليها من دخله المحدود . وبعد الانتهاء من الرسالة ، يأتي دور إجازتها من المشرفين ، وذلك ليس أيضا في يد المعيد ، فإذا ما أجازها المشرفون يأتي دور موافقة مجلس القسم ومجلس الكلية على عرضها على الممتحنين ، وقد تبقى عند الممتحنين فترة طويلة بسبب الزحام عليهم أو بسبب المرض وهذا ليس أيضا في يد المعيد . أعرف من الممتحنين مَنْ تباطأوا في إجازة الرسائل المرسلة إليهم إلى أن ضَجَّ مجلس الكلية من تباطئهم فأعفاهم من مهمة تحكيم الرسائل وبَحَثَ عن غيرهم . وقد يطلب الممتحنون تعديلات أو إضافات تستغرق وقتا إضافيا ، وذلك أيضا ليس في يد المعيد . وعندما يُجيز الممتحنون الرسالة يأتي دور مجلس القسم ثم مجلس الكلية مرة أخرى للموافقة عليها ، وهذا أيضا ليس في يَدِ المعيد . إن رسالة الماجستير أو رسالة الدكتوراه "عمل مشترك" بين المشرف والمعيد ، والمشرف هو الذي بيَدِه كلَّ شيء والمعيد ليس في يده أي شيء ، فلماذا يُحَاسَب المعيد عن التأخير ؟ أعرف معيدأ ذهب ليسلم رسالته إلى المشرف بعد الانتهاء منها ، وسأله المعيد ببراءة : متى أحضر لسيادتك للاستفسار عن الرسالة؟ ، واعْتبَرَ المشرف ذلك السؤال تطاولا من المعيد ، فأجابه بكِبْر وغطرسة : بعد سنة ! . وأعرف معيدة تُشْرِف على رسالتها مشرفة من نفس الجامعة ، انتهت المعيدة من الرسالة وشُكلتْ لجنة التحكيم ، وأوصت اللجنة بمنح المعيدة درجة الماجستير ، ثم حدث سوء تفاهم بين المعيدة والمشرفة ، فإذا بالمشرفة تستخدم سلطتها في الكلية وطلبت إيقاف الرسالة ، ولم تحصل المعيدة على الدرجة ، ومضى على تعطيلها ثمانية أشهر وما زالت معطلة حتى الآن . أعرف أيضا مشرفين في غاية القسوة والجبروت في تعاملهم مع المعيدين ، المشرف يستغل المعيد أسوأ استغلال ، ويكلفه بطلبات مالية وخدمات غير طبيعية كلها بعيدة تماما عن العلم ومتطلبات الرسالة. في جامعة قناة السويس ، حدث منذ ستة عشر عاما ، أن أصدر رئيس الجامعة قرارا مماثلا بتحويل جميع المعيدين والمدرسين المساعدين الذين لم يتموا رسالاتهم في خمس سنوات إلى درجات إدارية ، فتقدم المعيدون والمدرسون المساعدون بشكوى إلى الدكتور "سعيد سلامة" رئيس نادي هيئة التدريس ، وقد كان النادي في ذلك الوقت في أوْج قوته ، يحمى المظلومين من شر الطغاة ويدافع عنهم بكل قوة . اسْتمَعَ الدكتور "سعيد سلامة" إلى شكواهم ، واقتنع تماما بحججهم ، ودَعَى إلى اجتماع حاشد حضره رئيس الجامعة ، وحضره جميع المعيدين والمدرسين المساعدين . واقتنع رئيس الجامعة بدفاعهم ، واعْترَفَ بخطأ قراره ، وقرر الرجوع إلى الحق بدلا من التمادي في الباطل ، وألغى قراره ، وانصرف المعيدون والمدرسون المساعدون إلى استكمال رسائلهم في جو من الحرية والاسقرار . إنني أدعو المعيدين والمدرسين المساعدين في جامعة عين شمس إلى طلب لقاء عاجل مع رئيس الجامعة لكي يعرضوا عليه شكواهم ، فإذا لم يرجع عن قراره يطلبون لقاءً عاجلا مع وزير التعليم العالي ، وأن يرفعوا شكواهم أيضا إلى نادي هيئة التدريس ، ليس نادي جامعة عين شمس فقط بل جميع الأندية في جميع الجامعات . العلم لا يزدهر في جَوٍّ من الخوف والتهديد . وإنني لا أفهم ماذا تستفيد الدولة من دَفْع المعيد إلى "الكَرْوَتَة" والتلفيق في رسالته لكي يتمها في الميعاد . إن رئيس جامعة عين شمس في قراره ، لم يلتفت إلى رأي فقهاء القانون في تفسير هاتين المادتين ، ولم يحترم رأي لجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في هذا الصدد والتي ذكرَتْ أن تنفيذ هاتين المادتين ليس وجوبيا ، وأن الأمر متروك إلى مجالس الأقسام ومجالس الكليات ، وقد احْترَمَتْ هذه المجالس في جامعات مصر كلها رأي مجلس الدولة ، وأخذت تُمِد المدة المحددة عاما بعد عام بدون أدنى مشكلة إلى أن يتم المعيد والمدرس المساعد رسالته على أكمل وجه . ولا أظن أن معيدا واحدا حَوَّلته هذه المجالس إلى وظيفة إدارية بسبب تأخره . إذا كان رئيس جامعة عين شمس ليس في مقدوره ولا سلطته أن يوفر إمكانات البحث والدراسة للمعيدين والمدرسين المساعدين ، وليس في مقدوره أو سلطته مضاعفة رواتبهم لكي ينفقوا منها على رسائلهم ، ولكي يعيشوا منها كآدميين ، فلا أقل من أن يكف عن أمثال هذه القرارات الجائرة التي تنشر الذعر في أرجاء الجامعة بل في سائر الجامعات . إنني أطالب وزير التعليم العالي وجميع المسئولين بإلغاء هاتين المادتين ، اللتان تمثلان عارا على الجامعات المصرية و"وَصْمَة" في جبين قانون تنظيم الجامعات . جامعة قناة السويس [email protected]