من العجائب أن يقال إننا بصدد ثورة على الحاكم، والبديهى أن التظاهر السلمى لاتباع قوى سياسية ضد قوى أخرى لا يعبر عن الرأى العام فما بالكم, مهما كان التضليل الإعلامى, إن كان التظاهر غير سلمي, وبالمثل سمعنا أنه لا يوجد بالعالم تظاهرات لتأييد النظام الحاكم مثلما فعل الإخوان أيام أحداث الإعلان الدستورى والاستفتاء, هذا الكلام لا علاقة له بمصر حاليا, قد يقال بعد استقرار مؤسسات الحكم, لكن الحاكم الآن مازال يحاول بناء هذه المؤسسات. - التحالف بين بعض فصائل المعارضة وقوى النظام السابق عبارة عن غطاء سياسى من المعارضة, مدعوم إعلاميًا, ويقوم الثانى بالتخطيط والتمويل والتنفيذ للعنف السياسى والبلطجة المشهودة عن طريق شبكة منتسبى الحزب البائد وعناصر أمن الدولة السابقين المربوطين بالبلطجية والممولين من رجال الأعمال المدينين للبنوك والذين يخافون من استمرار النائب العام لأنه سيتفرغ لهم بعد هدوء الأحداث. - العنف السياسى يقوم به الطرف الذى لا يمتلك الشعبية ويعلم تمامًا بإخفاقه فى صناديق الاقتراع، ولذلك يستهدف تحقيق الحد الأقصى الكافى من الفوضى لإحداث أوضاع مؤلمة لمصالح العباد (وكأنه ليس من أصحاب البلد) حتى يقبل الرئيس والتيارات الإسلامية بتنازلات موجعة يستحيل فرضها على المجالس المنتخبة (برلمان وشورى), يعنى مافيا سياسية عالمية معروفة. فوضى، ثم فرض شروط تعجيزية، ثم إجراء حوار، ثم تنازلات بقرارات مؤلمة ملزمة للمجالس المنتخبة، خطة مطبقة فى كثير من الدول بعد الثورات، ولا يمنع ذلك من انتساب قلة من المخلصين لتظاهرات الفوضى بسبب التضليل وحالة السيولة بعد الثورة. - إذن من يطلب التنازلات يطلبها مقابل إيقاف الفوضى, إذن هو الفاعل الأساسى للفوضى. - والعجيب أننا توقعنا العنف فى ذكرى الثورة المتزامن!! مع موعد أحكام مذبحة بورسعيد بالعام السابق ولم يشرح لنا أحد أن العنف غير المدبر (المفاجئ) لا يمكن أن يتوقعه أحد, إذن كل ما حدث هو بالقطع مدبر من التحالف المذكور. - والعجيب الاعتراض على طوارئ الرئيس المنتخب الآن، وهى طوارئ ضد من يهاجمون مؤسساتنا وحرماتنا بالأسلحة, ويشبهونها بطوارئ المخلوع الذى لم يكن منتخباً ليوم واحد والتى كانت ضد المعارضين السلميين السياسيين. - ما يحدث هو "انقلاب سياسى بالقوة المسلحة" ضد مسار الثورة الشعبية السلمية كمحاولة لإعادة إنتاج الثورة بمسار جديد وهو "العنف السياسى" بعيدًا عن نتيجة صناديق الاقتراع، لأن كل قوى الاستبداد والفساد والمتحالفة مع القوى العلمانية داخليًا والمدعومة من القوى الخارجية, كلها لا ترضى عن خيارات الشعب المصرى فى تحديد من الذى يحكم مصر (السلطة)، وبماذا يحكم مصر (الهوية والمرجعية), لأن الثورة لم تكن ضد نظام الحكم فقط مثل حركة يوليو 1952، بل كانت ضد نظام الحكم وضد الغزو الثقافى الغربى. - والعجيب أن كل ذلك لإعادة النظام السابق (برموز جديدة) وبكل تحالفاته الداخلية الفاسدة وكذلك تحالفاته الخارجية المتضادة مع أى تقدم أو نهضة لمصر, تحالفات على رأسها العنصرية الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية, وبالرغم من ذلك هناك من يتظاهر الآن اعتقادًا بأنه يتظاهر ضد الإخوان والإسلاميين. - من الضرورى الحتمى ألا يحقق "العنف السياسى" أى مكاسب سياسية حقيقية (هذا ما يستميت فيه الرئيس) لأنه يهدد المصالح العامة للمواطنين والرد الشعبى على هذا العنف سيكون قاسيا فوق التوقعات، أما من خلال صناديق الاقتراع وهذا هو المأمول والمرجح أو من خلال ثورة أخرى لدعم الشرعية والهوية، وذلك مهما كان تضليل الإعلام للرأى العام، كما تكرر قبل كل الانتخابات والاستفتاءات بعد الثورة. - معلوم أن المطالب الحقيقية (المعلنة وغيرها) للمعارضة المذكورة تتمثل فى تعديل الدستور أو إلغائه وانتخابات برلمانية مبكرة (لرغبتهم فى أن يكونوا رؤساء) وقانون الانتخابات وإقالة النائب العام وتعديل حكومى قبل البرلمان يعنى "اللى سبق يأكل النبق"، وكأننا فى مسابقة ترفيهية, والعجيب أن معظمها مطالب خارج سلطة الرئيس والقوى المشاركة فى الحوار لأنها ضد الإرادة الشعبية وتمثل اعتداء على المجالس المنتخبة. - لكن ليس عجيبًا أن قوى النظام السابق توظف رموز المعارضة، لكنها إذا استشعرت أن الغلبة ليست لهم ستقوم بحرق هذه الرموز والتضحية بها (كما فعلت بالعقود السابقة)، ثم تقوم بتوفيق أوضاعها وسياساتها بما يناسب الحد الأدنى من التماشى مع النظام الحر الجديد الذى يفرض نفسه شعبيًا، وبالتالى لابد لها الآن من البحث عن الرموز الجديدة التى سيتم توظيفها للمرحلة القادمة.