لم يقم اليمين أو اليسار المصرى بثورة ولم يفكر بها يوماً، كل ما كانوا يفعلونه طوال تاريخهم الطويل هو (تنظيمات سرية)، حيث يخططون فى الغرف المغلقة كيف يسيطرون على الحكم ويصلحون أحوال البلاد من وجهة نظرهم، وكانت النتيجة الحتمية هى القبض عليهم والعمل على تشويههم فى الإعلام وإيداعهم السجون. لكن شيئاً ما كان يحدث بسبب السرية والقراءات الخاصة ومحنة السجن وآلامه، فقد كان كل ذلك يطبع صاحبه بخبرات وثقافة وثأرًا لا يمكن نسيانه، وهكذا نشأت تيارات متعددة فى مصر من أقصى اليمين (جماعات إسلامية وإخوان وتيار سلفى)، إلى أقصى اليسار (ناصرى ويسارى وماركسى)، لكن كل ذلك كان هامشيًا ومحدودًا بشكل كبير ما يشبه جزر صغيرة فى محيط الوطن. لم يكن الشباب منخرطاً فى كل ذلك لأنهم جيل مظلوم لم يلقَ عناية فى التربية والتعليم لا فى البيت ولا المدرسة وجرب الكبار المتخبطين فى هذا الجيل كل وسائل التوجيه والتوجيه المضاد، ولكن نافذة صغيرة فتحت أمامهم نافذة افتراضية، ولكنها جلبت لهم رائحة الحرية ونسيم المعرفة، انفتح أمامهم باب الإنترنت والفيس بوك وتواصلوا مع العالم وبفطرتهم الغضة، فهموا الموقف فهماً سليماً وعرفوا جيداً ما ينبغى عليهم فعله. وهكذا وضعوا جميعاً أيديهم متشابكة صفاً واحداً بغض النظر عن الاتجاهات والولاءات التى مازالت طاهرة تجعل اختلافهم كاختلاف ألوان الزهور يزيدها جمالاً وتناسقاً ومثل ندى الصباح الباكر ما زال عبيره طيبًا لم تلوثه أنفاس البشر ورائحتهم ودخان غيظهم وبخر كراهيتهم بعد. وهكذا بحب وإخلاص وبسالة قاموا بثورة 25يناير 2011 السلمية وقد تحددت مطالبهم وتوحدت فى إسقاط النظام الفاسد الشائخ وإيجاد نظام راشد للبلاد يطورها ويطهرها ويحقق لأبنائها حقهم المشروع فى (عيش حرية عدالة اجتماعية). نجحت الثورة وبهرت مشاهدها العالم كله لثبات هؤلاء الشباب وبعدهم عن الطائفية المقيتة والتحزب المذموم وتم إسقاط النظام، لكن، ودائمًا المصائب تحدث بعد لكن هذه.. فقد انطلق كل الكبار المنظمين المخضرمين فى الصراع السياسى والذين شابت رؤوسهم دون أن يحققوا شيئاً، واستطاع بسهولة وبراعة ذوو الخبرة أن يستقطبوا قطاعات الشباب حولهم ويقنعوهم بالدفاع عن مبادئهم هم وأحلامهم القديمة ويمارسون الكره الذى تعلموه من قبل واعتادوا عليه ويدخلون فى نفس دائرة الصراعات السياسية القديمة، فتم فرم الثورة نفسها وتمزق الثوار وصاروا نسخاً كرتونية أكثر حماقة من قياداتهم. أسجل شهادتى على الجيل القديم أنه من أسوأ الأجيال التى عرفتها مصر، فهو لم يكتفِ بكل ما مارسه من شطحات وحماقات فى تاريخه الشخصى ولم يقم بواجبه، وقصر تقصيرًا شديدًا فى إعداد وتوجيه الجيل الجديد، ولكنه أضاف إلى كل ذلك اغتيال براءة الشباب والزج بهم فى أتون معارك ومحارق تقضى على حياتهم وتشتت أفكارهم وتدمر مستقبلهم، وبينما يحدث ذلك لا يتراجع الكبار قيد أنملة وإنما يفركون أيديهم انتظارًا لغنيمة طالما تاقت إليها نفوسهم ويتحصنون وراء الجدر ويتركون الشباب يتصدرون المشهد. أيها الكبار، لو كنتم صادقين فلتكونوا دائمًا فى الصف الأول فى كل مظاهرة وفى المكان الأبرز من كل معركة حتى يحدث أحد أمرين كلاهما جيد، إما أن تثبتوا أنكم تؤمنون حقاً بأفكاركم أو تموتوا ويرتاح العالم منكم.