صديقى أحمد عطا الله يمتلك موهبة فريدة فى الكتابة الصحفية وفى الشعر أيضاً، أتابع بحرص ما يكتبه فى أى مكان، وقد حرصت على قراءة كتابه الجديد " الحتة بتاعتى " - الصادر عن دار ليلى – حتى النهاية . متعة القراءة تتمثل فى الكتابة التى يسرد بها عطا الله كتاباته وصدمة الصعيدى فى مواجهة قاهرة المعز، كتابات جيل جديد ولد فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وراح يلهث خلف الحياة وخلف الكتابة فإذا به يجد نفسه مخترعاً لكتبة جديدة تشبه اختراع نزار قبانى للغة شعرية جديدة . تناول عطا الله تجاربه مع الحب والخطوبة والزواج، وحكى فى بساطة تحول المجتمع المصرى أو الأم المصرية فى الطريقة التى تختار بها تزويج ابنتها مثلما استطاع الساخر التركى عزيز نيسين فى روايته " بتوش الحلوة " الوصول إلى الطريقة الغريبة التى تبتكرها سيدات المجتمع المخملى فى تعليم الفتاة طريقة التعامل مع الرجال – الأيتكيت - وقد رصد أحمد عطا الله طرق " التدبيس " التى تتم للايقاع ب " العريس "، ولكم أتمنى أن يقرأ محمد دياب وأحمد حلمى هذا الكتاب قبل الانتهاء من كتابة فيلمها الجديد " المتحرشون " ..!! حتى منتصف الكتاب وأحمد عطا الله منساب فى حكايا نعرفها، وما إن تصل إلى منطقة الصعيد حتى تجد كاتبنا يتحدث عن صعيد آخر، صعيد تايوانى مثل الذى يكتبه محمد صفاء عامر ليسلى به مشاهدى بلاد بحرى ودول الخليج الذين تنتهى علاقتهم بالصعيد عند زيارة لمعبد الأقصر أو معبد فيلة ..!! فأنا مثل أحمد أنتمى إلى نفس المحافظة – قنا – أنا فى بداياتها وأحمد بالقرب من نهاياتها، هو من قبيلة هوارة وأنا أيضاً، عشت فى الصعيد مثلما عاش، ونزحت – مثله – لأجل الصحافة، بل وأكبره بحوالى ثلاثة أعوام، لكنى ما عرفت هذا الصعيد الذى يتحدث عنه ولا شاهدت تلك الحكايا، ولعلى مع صديقه أبو قبيصى الذى قال له أن هذا الصعيد الذى تتحدث عنه غير موجود على أرض الواقع، حسب كلام أحمد فى كتابه " الحتة بتاعتى "، وأعتقد أن عطا الله لو اتجه إلى كتابة الرواية أو السينما لتميز فيهما نظراً للخيال الخصب الذى يتمتع به ، وهو يشبه هنا عمنا الساخر الكبير محمود السعدنى، فأنت حين تجلس إلى السعدنى وتستمع إلى حكاية منه، وتلتقيه فى اليوم التالى وتستمع إلى نفس الحكاية تجد عدد أفرادها قد زاد ؛ والحكاية طال زمنها وامتدت، ومع ذلك تحصل على متعة لا نظير لها، ولعل هذا ما جعل كامل الشناوى يقول عنه " كنت أظن أن خيال محمود السعدنى هو أقوى ما فيه... " فأحمد يرى أن المرأة فى الصعيد مازالت حتى الآن لا تخرج سوى لمكانين بيت زوجها وقبرها، فكيف دخلت شقيقتك كلية العلوم يا أستاذ أحمد ..؟!! من الحكايا الممتعة فى كتاب " الحتة بتاعتى "حكاية " سوق الجمعة "، فقد استطاع تقديم صورة سينمائية كاملة عن هذا السوق البديع والذى يكون بمثابة نزهة أسبوعية لأهل الصعيد بين اللحم والفاكهة والقيام ب " شوبنج " صعيدى على حق . أعرف مدى انتماء عطا الله إلى الصعيد بقوة تشبه مدى انتماء الراوى سيد الضوى إلى السيرة الهلالية، فقد سافرت مع أحمد فى رحلة ممتعة للقاء خط الصعيد نوفل سعد ربيع، كان وقتها الأستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير مجلة الأهرام العربى ؛ والأستاذ مجدى الجلاد رئيساً لقسم التحقيقات الذى كنت أعمل محرراً فيه، واتفقت مع الأستاذ مجدى على أن يكتب اسم أحمد معى على التحقيق الذى سنقوم به ؛ بل وأخذت وعداً منه بأن ينضم أحمد إلى مجلة الأهرام العربى، وبعد أن خضنا التجربة رفض الأستاذ مجدى نشر اسم أحمد عطا الله على التحقيق بحجة أن الأستاذ ابراهيم نافع لم يكن يرغب فى وجود صحفيين جدد، رغم علمى أن كل " الجدد " عملوا فى الأهرام فى عصر إبراهيم نافع ..!! جلس الجلاد إلى عطا الله واعتذر له ووضع له مكافأة رفض أحمد استلامها من خزينة الاهرام فاحترمته، وزاد احترامى له حين طلب منه الأستاذ مجدى حين كان مديراً لتحرير جريدة " المصرى اليوم " أن ينضم إلى الديسك فى الجريدة فرفض أحمد أيضاً ..!! لعل دماغ الصعايدة هذه هى التى جعلت عطا الله لا يزال متمسكاً بصعيد حكايا أجدادنا التى انسلخت عن الواقع وانتهت منذ زمان طويل .. لكن الجزء الاخير من هذا الكتاب البديع يؤكد لك أن أحمد عطا الله يمتلك التشويق والحرفية فى الكتابة التى يفقدها العديد من الزملاء، حين يقرأ أحمد عطا الله تتصور أنه لا يعمل فى مجلة " الإذاعة والتلفزيون " الآن، ولكنه كاتب قديم ينتمى إلى مجلة الجيل، قد تعثر على اسمه بين كتابها مصطفى أمين وناصر الدين النشاشيبى وصافيناز كاظم وأحمد رجب وأنيس منصور . كتاب " الحتة بتاعتى " - ونسيت أقول أنه يقصد بالحتة المرأة أو مكان ما – مثل ديوانه " 4 بوسات على الرصيف "، وهل هناك أحد يجد قبلة على الرصيف أو على حتى على سطح القمر ويتركها، وهكذا " الحتة بتاعتى " لأحمد عطا الله . [email protected]