9 أيام متصلة، إجازة عيد الأضحى 2024    ضخ 275 ألف طن سلع غذائية بالمجمعات الاستهلاكية بمناسبة عيد الأضحى    رئيس الشيوخ يهنئ الشعب بعيد الأضحى ويرفع الجلسة لأجل غير مسمى    كامل الوزير يعلن خطة الوزارة في تنفيذ 4 محاور تنموية بأسوان    البورصة المصرية تربح 16.4 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    صوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 382 ألف طن منذ بدء الموسم    «حلول تواكب التطورات».. رئيس بنك القاهرة: نستهدف تقديم خدمات مصرفية بقدرات عالمية    مقتل 55 على الأقل في اشتباك بين عشيرتين بالصومال    حزب السياسي الألماني اليميني المتطرف كراه يمنعه من شغل مقعد في البرلمان الأوروبي    الجيش الروسي يحرر بلدة في دونيتسك    القيمة التسويقية لمنتخب تركيا قبل انطلاق يورو 2024    شبانة: كولر غير مقتنع بيوسف أيمن والمعارين ويصر على كوناتي    مصر تحصد 4 ميداليات في بطولة العالم للمواي تاي باليونان    تعليم الوادي الجديد: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    بعد واقعة صفع احد المعجبين.. شروط حضور حفل عمرو دياب في دبي    إليسا: يجب أن تتوقف كل أشكال العنف في فلسطين والسودان    إعلان حالة التأهب القصوى بمستشفيات الدقهلية خلال امتحانات الثانوية العامة    حياة كريمة ببنى سويف.. الكشف وتوفير العلاج ل1739 حالة في قافلة سدمنت الجبل    وزيرة الهجرة تبحث مع الرئيس التنفيذي للغرفة الألمانية العربية للتجارة والصناعة سبل التعاون المشترك    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    تشكيل الحكومة الجديد.. رحيل وزير شؤون مجلس النواب    8 شهداء فى قصف إسرائيلى استهدف منزلا جنوب شرق خان يونس    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    أسترازينيكا مصر ومشاركة فعالة في المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي Africa Health Excon بنسخته الثالثة    تمهيدا لقصفها.. رسالة نصية تطلب من أهالي بلدة البازورية اللبنانية إخلاء منازلهم    اليوم.. "ثقافة الشيوخ" تفتح ملف إحياء متحف فن الزجاج والنحت بالجيزة    تحمي من أمراض مزمنة- 9 فواكه صيفية قليلة السكر    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    فنانون حجزوا مقاعدهم في دراما رمضان 2025.. أحمد مكي يبتعد عن الكوميديا    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    أبو الوفا: اقتربنا من إنهاء أزمة مستحقات فيتوريا    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    لمواليد «برج الجدي».. اعرف حظك هذا الأسبوع    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يشيد بإسهامات ندوة الحج العملية لخدمة ضيوف الرحمن    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    بعد قليل، الحكم في طعن شيرى هانم وابنتها زمردة على حكم سجنهما 5 سنوات    الأركان المشتركة الكورية الجنوبية: جيشنا لديه القدرة على الرد على أي استفزاز كوري شمالي    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    نتائج أولية: حزب الشعب يتصدر انتخابات البرلمان الأوروبى بحصوله على 181 مقعدا    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكمة إدارة التغيير والإصلاح .. صلاح الدين حافظ
نشر في المصريون يوم 25 - 05 - 2005


انفتح باب الإصلاح والتغيير في المنطقة بأسرها، وهو باب لم يعد في مقدور أحد إغلاقه من الآن فصاعدا، لا قوى الداخل تقبل، ولا قوى الخارج. وتأمل ساحات التغيير على سبيل المثال، باتساع الخريطة العربية من مغربها إلى مشرقها، وهي تموج بهدير الإصلاح والتغيير ينطلق من كل اتجاه، حتى لو حاولت الحكومات عرقلته أو تعطيله، انظر إلى ما يجري على سبيل المثال في المغرب والجزائر، غربا، وفي العراق والبحرين شرقا، فضلا عن لبنان وفلسطين في المنتصف. لكن ما يجري في مصر واسطة العقد ورمانة الميزان، يشكل الأهم والأوسع والأكثر تأثيراً، ليس فقط بالمعايير التقليدية المتعارف عليها، من حيث دور مصر المحوري وتراثها التاريخي وتأثيرها الإقليمي، ولكن من حيث إنتاجها للقوى الجديدة التي تقود الآن بحيوية ظاهرة قاطرة التغيير ودعوات الإصلاح الديمقراطي الوطني الحقيقي أيضا. وفي مقابلها ما زالت القوى القديمة تدافع عن آخر مواقعها وتخوض أعنف معاركها، معارك البقاء، في ربع الساعة الأخير، بعضها يحاول أن يتأقلم مع التغيير ويتكيف مع دعوات الإصلاح، ربما بمنطق برجماتي “انتهازي”، وبعضها الآخر مازال مغيباً وسط ضباب الوهم، متمسكا بمواقفه الثابتة داخل خنادق مغلقة لا يدخلها ماء ولا هواء! وفي هذا الصراع التنافسي بين القوى الجديدة وتلك القديمة، يضع التاريخ ومنطق التطور دائما بصمته على التطورات والأحداث، وبحكم هذا المنطق التاريخي، ينتصر الجديد على القديم ويخلفه، بعد عراك قد يطول أو يقصر، لكن حكمة الشعوب الناضجة هي وحدها القادرة على إدارة هذا العراك أو الصراع أو التنافس، فتحقق الانتقال السلمي وتصنع التطور الطبيعي، بديلا للتغيير بالانقلابات العسكرية أو الفاشية أو الإرهابية الدموية. وبقدر ما شهد تاريخ مصر، نماذج عديدة من حالتي التغيير السلمي والانقلاب العنيف، بقدر ما هو مدعو اليوم لدخول اختبار جديد من التحول والتغيير والإصلاح القائم على حوار مجتمعي منفتح بدون قيود أو شروط، تتلاقى فيه الأطراف عند “نقاط وسط” تتخلى فيه الأغلبية الميكانيكية عن تعسفها وديكتاتوريتها المبالغ فيها، وتتخلى فيه الأقلية عن نزوعها الدائم للرفض والانسحاب، أو اللجوء للعنف. مرة أخرى، تبرز هنا حكمة إرادة التغيير في المجتمعات الناضجة ذات التجارب العميقة، حكمة تحتاج إلى مخزون من العقل والرشد معا. ولعل المتابع المدقق للحراك السياسي العام في مصر هذه الأيام، يلحظ ظواهر عدة، أولاها هذا العنفوان والحيوية والجرأة في طرح الأفكار، وثانيتها تراجع تأثير القوى السياسية التقليدية، خصوصا الأحزاب التي صارت مهمشة، وثالثتها ظهور قوى شعبية ومدنية كانت كامنة، أو كانت جنينية، ورابعتها حالة الذهول التي فاجأت أصحاب نظرية الثبات حتى الجمود، أو الاستمرار مع الاستقرار، وخامستها اختلاط المفاهيم حول الإصلاح الديمقراطي ومنابعه، ما بين الإصلاح الوطني والإصلاح الأجنبي! * * * قبل عام لم يكن أحد يتخيل أن يتم تعديل المادة 76 من الدستور القائم منذ عام ،1971 لإجراء انتخابات عامة مباشرة لرئيس الجمهورية بين أكثر من متنافسين، بصرف النظر عن اعتراضنا على القيود أو الضوابط المشددة التي وضعت على شروط الترشيح لهذا المنصب الأهم، فقد كان الحاكم دوما يُنصب من قوى فوقية تعلو إرادة المصريين وتصادر حرياتهم في انتخاب رئيسهم أو ملكهم أو حاكمهم، فتفرضه فرضا وغالبا من الخارج، اللهم إلا حالة محمد علي الذي بايعه العلماء والفقهاء باسم شعب مصر! قبل عام لم يكن أحد يتصور أن تمور شوارع العاصمة والمدن الكبرى شمالا وجنوبا، بتظاهرات شعبية عارمة، تطالب بالإصلاح الديمقراطي والوطني، وترفع شعارات معادية للحكومة، وقد تعودت حكوماتنا على إدمان القدسية، فإذا بهذه الحكومة تعامل التظاهرات برفق أحيانا وبعنف أحيانا، لكن الظاهرة قائمة ومستمرة تعبيرا عن تغيير حدث، ومطالبة بتغيير يجب أن يحدث. قبل عام كان “الحوار التنافس” في الساحة السياسية المصرية، قاصرا على الحكومة والحزب الوطني الحاكم من جهة، والأحزاب السياسية المعترف بها (19 حزبا) من جهة أخرى، وكانت نجومية المعارضة قاصرة على ثلاثة أحزاب رئيسية هي الوفد الليبرالي، والتجمع اليساري، والعربي الناصري، وغيرهم يتابع أو يبايع! اليوم تقتحم قوى جديدة، ساحة الحراك السياسي والشعبي، وبجرأة تحسب لها في النهاية، كما تحسب لهامش الحرية المحدود القائم، فإن كانت حركة “الإخوان المسلمين” مثلا، حركة قديمة (أسست عام 1928 على يد الشيخ حسن البنا)، أعادت طرح نفسها هذه الأيام قوة قديمة تتجدد، بتجديد دعوتها، والانخراط في العمل السياسي واختراق النقابات المهنية وبعض الأحزاب السياسية، ودخول البرلمان الحالي بسبعة عشر نائبا، والتظاهر العلني في الشارع لأول مرة بهذا السفور منذ عقود طويلة، فإن الحركة المصرية من أجل التغيير والإصلاح “كفاية” تمثل على العكس قوة جديدة بالفعل، نشأت عملياً تأسيساً على بيان وقعه نحو 300 من المثقفين المصريين المتنوعي الانتماءات والاتجاهات، يطالب بإصلاحات ديمقراطية وطنية وحقيقية، قبل أن يهب علينا إعصار “تسونامي” الأمريكي، ثم بسرعة شديدة تحولت الحركة من مجرد بيان مثقفين، إلى قوة تنظيمية وحركية نشيطة، تنزل إلى الشارع وتتظاهر ليلا ونهارا، وتطور من أفكارها وأساليب عملها، وسط تساؤلات بعضها معجب وبعضها الآخر متشكك. وبالحيوية نفسها، استردت النقابات المهنية ونوادي هيئات التدريس بالجامعات والقضاة، كثيرا من حيويتها وعافيتها ومشاركتها في العمل العام، وفي المطالبة بالإصلاح الديمقراطي الوطني، كسراً للحصار الحكومي المشدد الذي فرضته قوانين جائرة مثل القانون رقم 100 الشهير، الذي يستلب من هذه النقابات حريتها العامة. ونحسب أن قوة اندفاع تيار التغيير والتجديد والإصلاح، ستزداد من الآن فصاعدا، خصوصا بعد التعديلات المقترحة لتطوير قوانين مباشرة الحقوق السياسية، والأحزاب، والانتخابات، وبعد ممارسة أول تجربة لانتخاب الرئيس مباشرة بدلا من الاستفتاءات المعروفة بسمعتها السيئة، الأمر الذي يفتح الباب لظهور قوى جديدة أخرى، سواء عبر أحزاب سياسية أو تنظيمات المجتمع المدني العديدة. * * * قبل عام لم يكن كل ذلك متصورا، لكنه لم يأت نتيجة عام واحد، إنما جاء عبر تراكمات عديدة في الحراك السياسي والاجتماعي المصري، المعروف بقدرته على الاختزان والبناء المنظم والهادئ الذي يصل أحيانا إلى درجة البطء، فيثير الاستغراب وربما الاستياء، لكنه دائما يتحرك في لحظات تاريخية محددة، فيثور ويفور! وفي كل الأحوال، وفي ظل هذه المتغيرات والتقلبات، نشأت وصعدت في مصر، قوى جديدة لها مطالب وأفكار ومصالح، بعضها ينتمي إلى الطبقات العليا النافذة والثرية، وبعضها الآخر ينتمي إلى الطبقات الوسطى والفقيرة وهي الأكثر اتساعا ومعاناة وتمردا، وهي التي أفرزت وتفرز اليوم تلك القوى السياسية الجديدة والمتجددة التي ترفع شعارات التغيير ومطالب الإصلاح الديمقراطي، وتتظاهر في الشارع، وتخوض التحديات الكبرى سواء في مواجهة الحكومة، أو في مواجهة تكتلات أصحاب المصالح وقوى الضغط ورجال الأعمال، أو في مواجهة التدخلات الأجنبية باسم فرض الإصلاح من الخارج، وهي في النهاية الممثل الجديد لمجتمع نصفه تحت سن العشرين عاماً. وهذا هو أحد أسرار ومظاهر الحراك السياسي الاجتماعي الواسع، المعبر عن مجتمع كبير قديم يجدد نفسه بحيوية بالغة، وهو حراك يقوم على مصالح اجتماعية اقتصادية لثلاثين مليون فلاح، وعشرين مليون عامل، وخمسة عشر مليون موظف متوسط وصغير، أنجبوا 18 مليون طالب في مراحل التعليم المختلفة، والكل يعاني ضغوط الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، وعبء البطالة ومظاهر الفساد القديمة والجديدة، واحتكارات رجال الأعمال والمضاربين وسارقي البنوك ومهربي الأموال المنهوبة. لذلك قلنا من البداية، إن الأمر يحتاج بالفعل إلى حكمة شديدة ورشد نافذ وعاقل، لكي يدير هذا الحراك السياسي الاجتماعي، المطالب بالتغيير والإصلاح، بدلا من الاكتفاء بالنيات الحسنة أحيانا، أو بالمواجهة الأمنية أحيانا أخرى، وبدلا من الانتظار مكتوفي الأيدي “لتسونامي” الأمريكي المصر على التدخل في أدق شؤوننا! * * * * * آخر الكلام: يقول الإمام علي: لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.