كثر الحديث فى الاونة الاخيرة عن الحوار الوطنى الكل يتغنى حول هذه الكلمة دون ان يقف ليتدبر معناها او يراجع نفسه ليعلم ان البون شاسع بين اقواله وافعاله . ايام الحزب الوطنى البائد كنا نسمع يومياً عن الحوار الوطنى الذى كان مادة للاستهلاك المحلى دون اى مضمون وكان صفوت الشريف بارعاً فى ادارة هذه الحوارات التى كانت صورة للعبث السياسى الذى كان يسيطر على المشهد آن ذاك . وبعد ثورة يناير المباركة ورغم حجم التغير الهائل الذى حدث فى اعقابها وما تبع ذلك من تحول سياسى واجتماعى فى المجتمع المصرى إلا اننا ما زلنا ندور فى الحلقة المفرغة ذاتها .فكل فريق يغرد فى سربه ولا يكلف نفسه عناءً الاصغاء إلى الطرف الاخر واصبح كل طرف منغلق على نفسه يعانى من البلادة السياسية والغباء المجتمعى . فجبهة الانقاذ التى يفترض انها تمثل المعارضة تقع فى تناقضات بينَّة ففى الوقت الذى تُصدر للشعب انها تقبل الحوار ومستعدة له تضع شروطاً تعجيزية لهذا الحوار ويصل بها التطرف احياناً إلى المطالبة بالغاء الدستور الذى وافق عليه الشعب فى استفتاء عام ضاربةً عرض الحائط بابسط قواعد الديمقراطية وهو القبول برأى الاغلبية بل يصل بهم الامر إلى المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة . والحصافة السياسية كانت تستلزم منهم ان يغلبوا مصلحة الوطن وان يعلموا ان السياسة هى فن الممكن ويذهبوا إلى الحوار بغير شروط مسبقة وعلى طاولة المفاوضات يُطرح كل شئ للنقاش وعلى الطرف الاخر نجد ان ممارسات حزب الاغلبية البعيدة عن التوافق الذى عرضته للانتقادات اللاذعة حتى من حلفائه التقليديين فى التيارات الاسلامية خاصة فيما يتعلق بمخالفة ماتوصل اليه الحوار الوطنى بشأن مواد قانون الانتخابات ، او فيما يقال عن محاولة السيطرة على مفاصل الدولة . اما بالنسبة لمؤسسة الرئاسة التى تمثل السلطة الحاكمة فعليها ان تعلو فوق الاختلافات الحزبية فهى الحكم بين الجميع وان ترعى حواراً جدياً بضمانات واضحة تهدأ من روع المعارضة وتساعد على تنقية الاجواء فالمتأمل للاحداث الاخيرة وتداعياتها يدرك ان اداء الرئاسة كان اقل من المتوقع وغير متناسب مع ضخامة الحدث وكانت قراراتها متاخرة وخطواتها بطيئة مما ينذر بعدم وجود رؤية محددة وواضحة فى التعامل مع الازمات ، معتمدة على الطريق الاسهل وهو فرض الطوارئ وحظر التجول لكن يظل الخيار الامنى فى نهاية المطاف جزء من الحل وليس كل الحل ورغم الدلائل الواضحة فى انه جبهة الانقاذ تدور فى فلك الاجندات الخارجية والمصالح الشخصية وانها ليست بمنأى من احداث العنف الدامية التى عصفت بالبلاد او على الاقل قدمت لها غطاءً سياسياً ناعماً إلا انه يتعين الوصول معهم إلى صيغة للتعايش السياسى المشترك فنحن نحتاج إلى حل سياسى وتنازلات من جميع الاطراف وتتضافر كل الجهود للخروج من هذه الازمة الطاحنة . فالتجربة المصرية الوليدة والمنهكة اقتصاياً لن تتحمل كل هذه الضغوط ، بل يتطلب الامر الى حنكة سياسية تخرج جميع الاطراف من طور المراهقة السياسية والشعارات الى مرحلة النضج والعمل . ان كثرة المبادرات من الافراد والاحزاب المختلفة دون ان تجد اذانا صاغية من الاطراف الاخردليلعتى اننا ندير حوار الطرشان. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]