شاركت اليوم في مناقشة للتقرير الأول للمجلس القومي لحقوق الإنسان ، كنت رئيسا لجلسة شاركني الحديث فيها حافظ أبو سعدة عضو المجلس والأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، وعبد الله خليل المحامي المصري المتخصص في قضايا حقوق الإنسان ، ونظم الندوة التي ناقشت التقرير الأول للمجلس القومي لحقوق الإنسان مركز بن رشد للتنمية ، وحضرها لفيف من المثقفين المصريين والمتخصصين في مجال حقوق الإنسان ، واسترعي الانتباه أن نشأة المجلس القومي لحقوق الإنسان بقرار من الرئيس المصري جاء في سياق التحولات الداخلية في مصر والتي قادت إلي مجئ جمال مبارك لأمانة السياسات العامة وإطلاق حملة فكر جديد داخل الحزب الوطني ، وأيضا التحولات الدولية والتي جعلت من مسألة حقوق الإنسان قضية كونية ، وصار هناك معايير دولية لحقوق الإنسان في العالم ، ولكي تكون الدولة متحضرة لابد من التزامها بهذه المعايير ، وتم تدشين المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر كجزء من التغطية علي الانتهاكات المرعبة لحقوق الإنسان في مصر ، وجاء اختيار بطرس غالي رئيسا للمجلس باعتباره رسالة للرأي العام الخارجي ، ولم يكن ضمن هياكل المجلس في البداية لجنة لتلقي الشكاوي التي تعبر عن انتهاكات حقوق الإنسان وهو ماقاد إلي تأسيس تلك اللجنة التي جاءتها شكاوي من كل المحافظات في مصر وخارجها وأعلي نسبة من الشكاوي جاءت من القاهرة ، وخاطبت اللجنة وزارة الداخلية والنائب العام حول الشكاوي التي ترد إليها للتحقق منها أو التحقيق فيها ولكنها لم تسمع أي ردود والرسم البياني الذي تضمنه التقرير يكشف الفجوة المذهلة بين الشكاوي المقدمة إلي هاتنين الجهتين والرد عليها ، وهو مايعني صحة هذه الشكاوي . وحين طلبت اللجنة وممثلوها زيارة السجون للتحقق من الوضع داخلها سمح لها بزيارة سجن ملحق مزرعة طره ، ويصف حافظ أبو سعده عضو المجلس والذي حضر هذه الزيارة أن كل شئ كان معدا كما لوكنا في فيلم سينمائي مخرجوه بإحكام هم ضباط السجون ، وحين انفرد بعض أعضاء اللجنة بالمسجونين أقسموا لهم أن هذه هي المرة الأولي التي يرون فيها عربة إسعاف أو أطباء أسنان أو أنها المرة الأولي التي يخرجون فيها للعب في ملاعب السجون . بالطبع المصائب كلها في السجون الأخري التي يري المعتقلون فيها الويل والثبور وعظائم الأمور ، في سجن شديد الحراسة وغيرها من السجون الإقليمية مثل سجن دمنهور وسجن وادي النطرون رقم واحد وسجن وادي النطرون رقم 2 وسجن العقرب وكان من بين المعلومات الغريبة التي عرفتها اليوم أن سجن وادي النطرون قريب جدا من القاهرة وعلي الطريق الصحراوي بينها وبين اسكندرية . وعرفت كذلك أن سجن وادي النطرون رقم 2 انتهي نزلاؤه السياسيون من إضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم وخاصة أنهم يعانون من أمراض وسجن مستمر منذ مايزيد عن عشر سنوات . وحين انعطفت علي نقابة المحامين لما أخبرني أحد الأصدقاء أن هناك اعتصاما لأمهات وزوجات المعتقلين في سجن وادي النطرون كنا نظنه أنه الإضراب القديم ولكنا فوجئنا أن هذا اعتصام جديد من أقارب المعتقلين وأسرهم للمطالبة بالإفراج عن ذويهم وأقاربهم ، وأن الزوجات والأمهات والأبناء الصغار افترشن أرض نقابة المحامين منذ الأمس الجمعة وباتوا علي أرضية النقابة وحاول الأمن طردهم لكنهم هددوا بالإضراب ، جلست مع أقارب المعتقلين وأغلبهم لهم أولاد صغار لا عائل لهم إلا والدهم المعتقل ، وتحدثت السيدات حديثا داميا ومرعبا وخطيرا . المجلس القومي لحقوق الإنسان يفتقد إلي الآليات التي تمكنه من الفعالية مثل حق الضبطية القضائية وحقه في الاستماع إلي الشكاوي والتحقق منها بالذهاب إلي السجون للتأكد منها ، كما افتقد إلي التوازن في تركيبته فلم يعبر إلا عن الشخصيات العامة التي يرضي عنها الحزب الوطني وأمانة السياسات فيه ، ولم يعبر عن القوي الفاعلة والحية في المجتمع . أمهات المعتقلين وزوجاتهم وأبنائهم الصغار وأقاربهم مصرون علي استمرار الاعتصام ويفكرن في تدشين رابطة لأمهات وزوجات المعتقلين السياسيين الإسلاميين ، ورغم اضطرابهم وبعض من التردد لكنهم مصرون علي مطلبهم بالإفراج عن أقاربهم ، إنها المرة الأولي داخل الحركة الإسلامية التي تخرج فيها النساء ليعتصمن خارج بيوتهن وكلهن منتقبات من أجل انتزاع حق من حقوقهن وهو عودة عائلهن البرئ إليهم ، وهذا تطور إيجابي يعكس وعي المرأة في الحركة الإسلامية أن عليها دور المشاركة والمطالبة بانتزاع حقها من سلطة ديكتاتورية غاشمة .