المناضل الوطنى محمد فريد كان سليل أسرة أرستقراطية ذات جذور تركية، وكان أبوه أحمد باشا فريد ناظر الدائرة السنية - والمقصود بها تلك المساحة من الأراضى التى تمتد لآلاف الأفدنة التى يملكها خديوى مصر وكانت أمه ابنة قاضى البحار وأحد أعيان القاهرة. ولد محمد أحمد فريد فى مثل هذا اليوم عام 1868 بالقاهرة، ودخل مدارس الحكومة، ثم كلية الفرير، ثم مدرسة الحقوق الخديوية التى تخرج فيها سنة 1887، وتدرج فى الوظائف الحكومية حتى عين سنة 1895 وكيلا للنائب العام بمحكمة استئناف القاهرة. كتب عدة مقالات فى مجلة "الآداب" التى أصدرها الشيخ على يوسف أولًا، وكان يوقع بالحروف الأولى من اسمه احترامًا لرغبة والده الذى طلب منه عدم الاشتراك فى العمل السياسى، ثم ساهم فى تمويل جريدة "المؤيد" التى أصدرها الشيخ على يوسف بعد ذلك، وعارض رياض باشا رئيس وزراء مصر لتعيينه أول مستشار قضائى بريطانى فى مصر سنة 1890. تقابل محمد فريد مع مصطفى كامل لأول مرة عام 1892، وأصبحا منذ ذاك التاريخ رفيقين على درب واحد لم يفرق بينهما إلا الموت. وفى سنة 1896 اتهم الشيخ على يوسف بأنه حصل بطريق غير مشروع على نص برقية كانت مرسلة من اللورد كتشنر إلى وزارة الحربية المصرية، ونشرها فى صحيفة "المؤيد"، وكان البريطانيون حريصين على إدانته، إلا أن القضاة برأوه، وأعلن محمد فريد وكان وقتها وكيلًا للنيابة تأييده صراحة لحكم القضاء المصرى بقاعة المحكمة، فحاول البريطانيون نقله خارج القاهرة عقابًا له على تصرفه هذا، فما كان منه إلا أن قدم استقالته، وافتتح مكتبًا للمحاماة. أصدر محمد فريد على نفقته الخاصة مجلة عربية أدبية وعلمية أطلق عليها اسم "الموسوعة"، وذلك كإصدار مصرى "إسلامى" يناطح "الهلال" و"المقتطف" التى كان يصدرها مسيحيو سوريا ولبنان، وكان من بين كتاب مجلته الشيخ محمد عبده، ومصطفى كامل، وأحمد لطفى السيد، وقاسم أمين، ومصطفى عبدالرازق، وتعرضت مقالاته بها لمظالم الاستعمار فى كل بلاد العالم، وكتب وترجم عدة كتب، كما قام بجولات كثيرة لعدد من الدول الأوروبية. بعد وفاة مصطفى كامل فى 10 فبراير 1908، أنتخب محمد فريد خليفة له فى زعامة الحزب الوطنى، وهو أول حزب سياسى عرفته مصر، وابتدأ نشاطه السياسى فى زعامة الحزب الوطنى بأن بدأ يطالب الخديوى بإعادة دستور سنة 1881 الذى أُلغى بعد هزيمة عرابى واستطاع الحصول على 45 ألف توقيع من المصريين يطالبون الخديوى بذلك وكان هذا السلوك هو أول تحرك جماهيرى وطنى من نوعه فى مصر. ينسب إلى محمد فريد أيضا أنه ساهم من خلال حزبه فى إقامة عدد من المدارس بالأقاليم، كانت مقار لجان الحزب ذاتها تتخذ كمقار لهذه المدارس ويتم التدريس فيها وبالمجان، ثم دعا إلى إنشاء النقابات العمالية، ووصل عدد النقابات العمالية عام 1911 إلى 11 نقابة تضم 6 آلاف عضو، ثم شجع قيام الجمعيات الاستهلاكية. صدر حكم بسجن محمد فريد بسبب هجومه على الاحتلال الإنجليزى، فترك مصر وسافر إلى أوروبا يواصل كفاحه متنقلًا بين سويسرا، وألمانيا، وإسطانبول، لا يكل ولا يمل.. مجاهدًا بكل ما يملك فى سبيل استقلال بلاده، ورفضه للحماية البريطانية على مصر، حتى تدهورت صحته بدرجة كبيرة، ونفذت ثروته الطائلة فى الإنفاق على العمل الوطنى، واستدان لينفق على علاجه من مرض الاستسقاء، وأجرى عدة جراحات لكنها لم تنقذه من قدره المحتوم، إذ فاضت روحه إلى بارئها فى الحادية عشر من مساء يوم 15 نوفمبر سنة 1919 بعيادة أحد الأطباء ببرلين.