سؤال يتندر به خبراء الإدارة حين يواجهون بحالة لشركة عملاقة تقليدية ذات تاريخ طويل فى السوق حين تقاوم التغيير وتواجهه بجمود وعناد بزعم أنها تتجنب المخاطر وتأنس إلى النظم والسياسات والإستراتيجيات التى تأنس إليها وترتاح لها بدلا من المغامرة ومحاولة تجريب نظم جديدة قد لاتكون عواقبها مأمونة .. ويحفز ذلك الخبراء – حين تستدعيهم تلك المؤسسات للمشورة بعد أن تكتشف أنها أصبحت تخسر وأنها مهددة بالإفلاس والخروج من السوق – لكى يقبلوا التحدى ويثبتوا أنهم قادرون على أن يجعلوا الفيل يرقص .. والسؤال البديهى الذى يتبادر إلى الذهن هنا هو: هل سيرقص الفيل من تلقاء نفسه، أم أنه يحتاج لمن يحفزه ويحركه ويقنعه بقدرته على الرقص لكى يفعل ذلك؟ والإجابة الأكثر بداهة هى أن الفيل يحتاج لمدرب يفهم أولا طبائع الفيل وسلوكه وقدراته وأساليب التعامل معه قبل أن يضع خطة لإقناعه ومن ثم يسهل فى نهاية المطاف أن يصمم رقصة تناسب الفيل وتحرك رغبته فى تجريبها وممارستها ويحفزه النجاح فى أدائها على إدخال إبداعات عليها تتحدى قدراته الطبيعية.. يحضرنى الآن مثل كاشف يثبت بقوة مايمكن للناس – لو أحسن إعدادهم واستغلال طاقاتهم– أن يحققوه خارج كل التوقعات التقليدية، وأن الدول التى أتقنت هذا الفن مثل الهند والصين نجحت فى تحويل الطاقة البشرية لديها إلى قوة عمل منتجة أصبحت تغزو العالم بمنتجاتها وبأسعار يستحيل منافستها. منتصف السبيعينيات شهدت المملكة العربية السعودية مايسمى "بالطفرة" التى واكبت ارتفاع أسعار البترول من 5ر4 دولارات ونصف إلى 32 دولارا ثم الزيادات المضطردة بعد ذلك لكى يصل إلى أكثر من44 دولارا للبرميل بعد حرب 73. أتاحت لى الظروف أن أكون شاهدا على التطور بالغ السرعة الذى صاحب ذلك وأسس لبنية تحتية قوية تقوم على اساس علمى ساعدت بعد ذلك على تغيير وجه الحياة بالمملكة حتى أصبحت الآن فى عداد الدول المتقدمة اقتصادا وتعليما وتأثيرا فى المسرح الدولى دون أن تفقد هويتها.. تنافست كل الشركات من كل أنحاء الدنيا لتنفيذ المشروعات التى كانت مطروحة فى ذلك الوقت من رصف طرق إلى إناره إلى تحلية المياه إلى إنشاء الجامعات والمعاهد العلمية والمطارات والمصانع بأنواعها، وكان هناك تفضيلا للأمريكان على غيرهم نتيجة لعلاقات تاريخية تأصلت رغم ارتفاع أسعار العقود الممنوحة لهم عن غيرها من الدول .. وفجأة تتغير موازين القوى وتدخل الحكومة الكورية طرفا فى المعادلة من خلال شركات كورية عملاقة فتفوز بالعديد من العقود وتضرب اسعار السوق بقسوة لأنها اهتدت إلى فكرة عبقرية حققت لها "ميزة تنافسية" يصعب بل يستحيل التغلب عليها. أكتشف الكوريون فى ذلك الوقت أنهم لايحتاجون إلى الأعداد المتزايدة من المجندين بينن صفوف القوات المسلحة فقرروا أن يصدروهم كعمالة فنية عالية المستوى إلى دول أخرى تكون الحكومة الكورية طرفا فى التعاقد معها ضمن اتفاقيات تعقدها مع تلك الدول.هؤلاء المجندون يتم تدريبهم على المهن المختلفة المنصوص عليها فى العقود وبمستوى رفيع من الجودة وساعات عمل طويلة يتطلبها سرعة الإنجاز فيجمعون بين إلتزام الجندى ومهارة العامل أو الصانع، وشاهدتهم بنفسى يبدأون يومهم مبكرا بتدريبات رياضية تعدهم ليوم من العمل الشاق ثم ينتشرون إلى مواقع العمل لكى ينفذوا العقود التى أبرمتها دولتهم والتى تدخل حصيلتها خزانتها بعد أن ينال هؤلاء المجندون جزءا عادلا منها..وطبيعى بعد ذلك أن تكون النتيجة جودة أفضل تفوق بكثير مايقدمه غيرهم وسعر تنافسى لايستطيع الأمريكان ولا الأوروبيون أن يكسروه بما اعتادوا عليه من مرتبات وأجور ومزايا وظروف إعاشة مرتفعة المستوى للعاملين بمؤسساتهم، وانتشرت تبعا لذلك الشركات الكورية الخاصة لسنوات طويلة وثبتت أقدامها فى المملكة ومنها إلى باقى دول الخليج وانحسر المد الأمريكى تدريجيا استجابة لفعاليات السوق وقوانين العرض والطلب. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]