تتكاتف شياطين الإنس مع شياطين الجن في إحداث فجوة الشقاق والفرقة وصولا إلى مرحلة التنازع والفشل وذهاب القوة مما يؤدي إلى ذهاب وإسقاط المجتمعات والأمم في واد سحيق ،وهذا ما حذرنا منه ربنا في قوله تعالى:" وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ "فذهاب الريح هو فقدان القوة وذهاب الدولة،وقد كشفت لنا السنة النبوية هذه المخططات الإبلسية في حديثين من أحاديثه كلاهما عن جابر –رضي الله عنه،الأول قال فيه – صلى الله عليه وسلم:" إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا ويجىء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله فيدنيه منه ويقول نعم أنت"(أخرجه البخاري) "،والثاني أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم "(أخرجه البخاري). فمهمة أبالسة الجن والإنس إفساد ذات البين ،التي تقضي على التزام الأمم وفساد المجتمع واهتزاز كيانه اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وعلميا وفكريا؛لأن المجتمع سينشغل عن البناء والتعمير بل عن دينه بما أحدثه هؤلاء الشياطين من فرقة وإفساد...ولابد للعقلاء أن يفسدوا على هؤلاء خططهم،ويسعون في إصلاح ذات البين ولم الشمل،ومن خلال القراءة المتأنية للنصوص القرآنية والنبوية،وقراءة الواقع وما يحدث في من زلازل الفرقة والتشرذم،لابد من الاستضاءة –بل والاعتماد على المنهج الإسلامي في لم الشمل . وسائل لم الشمل: الوسيلة الأولى: اللجوء إلى من بيده قلوب العباد: تأليف القلوب واجتماع الناس على قلب رجل واحد نعمة ذكرنا بها الله في كتابه العزيز:" وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً"،وهذه النعمة نعمة تأليف القلوب بيد الله تعالى لا تتم إلا بتوفيق منه سبحانه وفضل ،ولو أنفق البشر كلهم ما عندهم من خزائن لتأليف قلبين ما استطاعوا،وذلك لأن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يملك ذلك،قال تعالى:" وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"،فواجب العباد أن يلجأوا إلى مصرف ومقلب القلوب بأن ينزع الغل والبغضاء من بيننا:" وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ". وأن يستعيذوا بالله من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأعظمها التنازع والخلاف،وأن يعتصموا بالحبل المتين الذي يعصمهم من التفرق:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا". فيا أمة الإسلام يا أهل مصر الحبيبة ألظوا بيا ذا الجلال كما أمرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم:" ألظوابياذا الجلال والإكرام"(رواه الترمذي و ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي ،وقال الحاكم : (حديث صحيح الإسناد )،و ألظوا معناه : الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها . فالذي نحن فيه ليس له من دون الله كاشفة،وليس لنا إلا التوكل على من بيده صلاح الدنيا والآخرة:" وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، وقال سبحانه:"وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ". الوسيلة الثانية:حفظ الألسن: وقت الإضرابات والأزمات تجد الانفلاتات الكلامية التي تصيب الأعراض والنيات ولا يسلم أحد من هذا اللسان الذي صار أشد جرحا من السيف الحداد،قال تعالى:" فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ "،وقد وضع لنا الإسلام منهجا يحفظ على الأمة أعراضها،ويلم شملها،حيث جعل الإسلام حفظ اللسان علامة بارزة على إسلام العبد،قال صلى الله عليه وسلم :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"(رواه البخاري)،وجعل كذلك حفظ اللسان عن الشر علامة على الإيمان،قال صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"(متفق عليه)..ومن لم يحفظ إيمانه كان من أدعياء الإيمان،قال صلى الله عليه وسلم :" يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه ! لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته و من تتبع الله عورته يفضحه و لو في جوف بيته "( صحيح ) انظر: حديث رقم : 7984 في صحيح الجامع . فأزمة كثير من الشعوب اللسان فبكلمة يتحقق السلام والأمن ،وبكلمة تقام الحروب وتدمر الأمم، وينبغي على الناس أن يعلموا أن الله جعل للإنسان أذنين ولسانا واحدا حتى تسمع أكثر مما تتكلم،وإذا كان هناك ضرورة للكلام فليكن بالخير،قال تعالى :" وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا "؛لأن القول السديد سبب أساسي في الصلاح والإصلاح؛لذا ذكر –سبحانه- صلاح الأعمال في الآية بعد صلاح الأقوال التي هي مصدر اللسان:" يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا". ويجب علينا أن نحذر من اللسان الذي يروج الشائعات ويمنهجها حتى يظن قاصرو النظر أنها حقائق،فيتناقلها كثير من الناس متلفزين تلك الشائعات في صورة:" وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ". الوسيلة الثالثة: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم: من أفضل وسائل لم الشمل بعد الالتجاء إلى الله وحفظ الألسن التصالح؛لأنه يدعم الأخوة،فلا أخوة والنفوس متشاحنة والقلوب متنافرة،من أجل ذلك قرن الله سبحانه بين الأخوة والإيمان والتصالح،قال تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"،والصلح يحقق الرخاء والخير للمجتمع في كل المجالات،قال تعالى:" وَالصُّلْحُ خَيْرٌ "،ولم يقتصر أمر الصلح على المؤمنين فقط بل لابد منه بين الناس جميعا ،قال تعالى:" أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ". الوسيلة الرابعة:اجتناب الظن.. فالأصل البراءة: احترف كثير من الناس ولاسيما في ظل المنافسات السياسية الخوض في النيات،وبناء الحكم على بواطن الأمور،والأصل لنا الظاهر والله يتولى السرائر،فلا اعتبار بالظن ولاسيما إذا كان سيئا؛لأنه أكذب الحديث،قال صلى الله عليه وسلم:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"؛وذلك لأن الظن سيؤدي إلى التجسس والتحاسد والتباغض والتقاطع والتدابر،وهذا ينافي :"وكونوا عباد الله إخوانا". قال عمر – رضي الله عنه-:"ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا".وقال آخر التمس لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا. وليعلم الجميع أن المسلم يطلب المعاذير- أي يبحث لك عن عذر- والمنافق يلتمس الزلات- أي ينتظر وقوعك ليشهر بك ويحور كلامك بل ونيتك. الوسيلة الخامسة:الموازنة بين الرفق واللين والحزم والشدة : معنى الموازنة بين الرفق واللين والحزم والشدة أي استخدام كل منهما في موضعه وفي الوقت المناسب وبالقدر المناسب،حتى لاتؤدي الشدة إلى النفور وانفضاض الناس ،ولا اللين إلى تجرؤ المفسدين وانتشار الفوضى ،قال تعالى:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.في الوقت المناسب،وقوله تعالى:" وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ "في الوقت المناسب،وبقدر لا نتساوى فيه مع اللذين لا خلق لهم ولا ضابط شرعي يحكمهم،وتأمل منهج القول اللين مع طاغية قتل الأبناء واستحى النساء بل وادعى الربوبية والألوهية لنفسه وهو فرعون ماذا قال ربنا لموسى وهارون- عليهما السلام- :" فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى " ومنهج الحزم في موضعه من صاحب القلب الرقيق والقول اللين أبي بكر الصديق حيث انقلب لينه ورفقه إلى حزم وشدة مع مانعي الزكاة المهددين أركان الدولة حيث قال:"لو منعوني عناقا كان يؤد وناه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه. الوسيلة السادسة: من مد يده لنا وأناب نمد له أيدينا: لاتثريب اليوم عليكم قالها يوسف عليه السلام لما اعترف أخوة يوسف بخطئهم ،واذهبوا فأنتم الطلقاء قالها محمد صلى الله عليه وسلم وهو فاتح منتصر،ولم يقابل ما فعلوه به من ألوان الأذى إلا بالعفو والصفح،وسيدنا أبوبكر عندما امتنع عن العطاء الذي كان يعطيه لمسطح بعد خوضه مع الخائضين في حادثة الإفك ،نزل القرآن ليقول له ولكل مسلم:" وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"،فرجع ليعطي مسطحا مرة أخرى وهو الذي خاض في عرضه وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم،والإمام أحمد حين أخذوه ليعالجوه بعد وفاة المعتصم وأحس بألم في جسده قال:"اللهم اغفر للمعتصم". والحكمة في تغليب العفو والصفح عند المسلم لأنه هو الذي يعلم ويعرف فوائد هذا الأمر في لم الشمل وإقبال الناس إلى الله ،لذا عندما أوذي النبي صلى الله عليه في رحلة الطائف وهو يدعوهم إلى الخير وما فيه مصلحتهم،نزل جبريل ليستأذن النبي صلى الله عليه وسلم- في أن يطبق عليهم الجبلين رفض ،بل ودعا لهم بقوله:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]