خلال زيارة لى مؤخرًا مع وفد ماليزى، شعرت بخجل شديد ومرارة فى قلبى وعقلى، عندما وجدت الأجانب - كذا نفسى - نسير فوق الأتربة الكثيفة وروث الحيوان فى محيط منطقة الأهرامات الأثرية المنفردة بحالها المعمارى والتاريخى فى العالم، منذ عدة آلاف من السنين. أخذتنى الحيرة والدهشة، من دوام هذا الحال المحزن والمؤسف، رغم مرور كل تلك السنين، حيث تعرضت لنفس الموقف تقريبًا، قبل حوالى 30 سنة، حين زرت منطقة الأهرامات، مع وفد من موظفى منظمة المؤتمر (التعاون) الإسلامى بمركزها الثقافى بإسطنبول. وكلما كنت أحاول،هذه المرة، ومعى الماليزيين، تجنب روث الحيوان، لكى لا ندوس بالأقدام عليه، كانت رائحة نفس الروث المنتشرة بأجواء المكان، تهاجمنى وتزكم أنفى بقوة، بحيث لا يوجد مجال لتجنب شمها. قالت لى واحدة من أعضاء الوفد الأجنبى، والتى كانت علامات الغضب تعلو وجهها بسبب شمها روث الحيوان وسعيها لتجنب الخوض فيه، كيف يمكن لمصر أن تكسب المال السياحى، بدون أن تقوم بعمل بعض الخطوات التنفيذية، لتجميل وتحسين الخدمات المتعلقة بصناعة السياحة؟ لم أجد الكثير من الكلمات لكى أرد عليها، مبررًا هذا التخلف الحضارى والعته العقلى الذى فرض على مصر وشعبها طوال عشرات السنين الماضية. هذه الحادثة المحزنة الجديدة القديمة، ذكرتنى بالمسلسل التليفزيونى المصرى الذى قدمه الفنان المصرى محمد صبحى، قبل ربع قرن من الزمان، وتحدث فيه عن مشروع "بامبرز" الحيوانات التى تستخدم داخل المدينة، وكيف يمكن بهذا الكيس البسيط، تجنب سقوط روث الحيوان على أرض الطرقات أو فى الشوارع والميادين. قلت لنفسى والحسرة تعصف بوجدانى، يا ترى ألم يشاهد السادة والسيدات المشتغلين بوزارة السياحة، ذلك المسلسل التليفزيونى الشهير الذى تعرض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لفكرة "بامبرز" الحيوانات؟ ألم يطلع هؤلاء المسئولون عن صناعة السياحة - يسافرون كثيرًا للخارج على حساب شعب مصر - على فكرة "كيس روث الحيوان" المستخدم فى كثير من بلدان العالم، للحفاظ على نظافة الشوارع والطرقات العامة، وبصفة خاصة المناطق الأثرية السياحية التى ينتشر بها السياح؟! لسنا الدولة الوحيدة فى عالم اليوم التى تستخدم الحيوانات فى مناطقها الأثرية المفتوحة، للترويح عن السائح، فقد شاهدت الحنطور فى جزر بحر مرمرة بتركيا - تعتمد بصفة أساسية على الحنطور كوسيلة نقل ركاب يومية لمنع السيارات فيها - وكذا فى اليونان وأوكرانيا وتتارستان وروسيا وآذربايجان ودول أوروبية أخرى وكلها تحمل البامبرز، مع أن آثار هذه الدول، ليست بنفس القيمة التاريخية المتفردة لأهرامات مصر، ومع هذا يستخدمون البامبرز لجمع روث الحيوان، دون سقوطه على الطرقات، ولمنع تلوث البيئة وللحفاظ على المظهر العام والتحضر، وتجنيب السائح أى مشكلة، حتى لو كانت شم رائحة روث الحيوان. الشيء المحزن، هو أننا لا نتحرك ولا نعمل على تجنب المشاكل المحيطة بالسياحة رغم أنها مشاكل سهلة الحلّ وغير مكلفة، وبنفس الوقت تمثل السياحة المصدر المالى المهم فى احتياطيات النقد الأجنبى، وفى رزق ملايين من الناس داخل الوطن ومن الواجب علينا حماية السائح بيئيًا مثلما نسعى لحمايته أمنيًا. إن زيارة أهرامات مصر حِلم يراود خيال وعقول كل الناس من أنحاء العالم، فكيف نسمح بدوام هذا المنظر البشع ولهذه المشكلة البسيطة الحل، أن تزال كما هى دون حركة، وما شاهدته وصدمنى قبل 30 سنة، أشاهده اليوم؟! ترى، هل سيشاهد أحفادى نفس المشكلة، مثلما شاهدها أبنائى؟.