كل الكلام عن تزوير الاستفتاءات كلام جرايد، وليس كل كلام الجرايد إثم، إلا الكلام عن تزوير الاستفتاء الأخير، فهو كلام قضاة، وهو مزور بشهادة قضائية، لا يملك أحد أن يشكك فيها، ولا أن ينال من نزاهتها، وكلام القضاة- كما تعلمنا في كليات الحقوق- هو عنوان الحقيقة، والحقيقة التي يعرفها كل المصريين أن كلمة الاستفتاء لا تفرق كثيرا عن كلمة الانتخابات في القاموس الحكومي، وهما معا يحملان معنى واحداً هو التزوير! وتزوير الحكومة مثلها مفضوح، وفضيحته بجلاجل، وهي من فُجر تزويرها لا تُخفي معالم جريمتها، ولا تتعب نفسها قليلا في أن تتخفى إذ تنوي التزوير، بل هي ترفض على الملأ أن تخلي بين القضاة وبين استقلالهم، وتضع القيود- منذ ستة عشر سنة - على إصدار قانون استقلال القضاء، وتمنع عليهم أن يكون لهم الإشراف الكامل على الانتخابات، وتشرك معهم من تسميهم أعضاء الهيئات القضائية وهم يتبعونها إداريا وتملك عليهم حق الأمر، وليس لهم ما للقضاة من حصانة ولا استقلال، وهي تفعل ذلك كله لا لشيء إلا لأن قرارها المبيت مع سبق الإصرار والترصد هو التزوير الذي أدمنته ولم تعد تتقن شيئا غيره! وآخر ما أجرته الحكومة من تزوير مفضوح كان في الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي جرى في 25 مايو الماضي، والذي تؤكد اللجنة الخماسية التي شكلها نادي قضاة مصر لتقصي الحقائق حول ما جرى في الاستفتاء، وجاء حكمها كاشفا عن حقيقة ما جرى من حفلات التزوير الجماعية في 95% من لجان الاستفتاء، تلك التي لم يكن فيها أي إشراف قضائي، وأسندت رئاستها لموظفين لا استقلالَ ولا حصانةَ لهم، وجاء في تقرير اللجنة القضائية- الذي استند لشهادات طوعية لقضاة شاركوا في الإشراف على الاستفتاء- أن عدد اللجان التي رأسها أعضاء الهيئات القضائية لم يزد عن 5% من إجمالي عدد اللجان البالغة (54350) في أنحاء البلاد، ما يعني أن حفلات التزوير كانت على عينك يافاجر! ولاحظ تقرير اللجنة التي تضم خمسة قضاة كبار أنَّ عددَ مَن أُثبت حضورهم للتصويت تجاوز ال90%في اللجان التي ترأسها موظفون رسميون، بل وصل في الكثير منها إلى 100%، وهو ما يعني - حسب التقرير- أنَّ جميع المقيدين في تلك اللجان بقوا على حالهم منذ ضبط الكشوف الانتخابية العام الماضي ولم يتوف أحد منهم أو يسافر ولم يحل بين أي منهم وبين الحضور حائل من مرض أو عمل أو كسل"، على حد تعبير التقرير! ورصد التقرير أنَّ ضباطًا حثوا رؤساء اللجان على ضرورة الوصول بالتصويت لنسبة معينة، كما جرى إبطال عدد كبير من البطاقات، وبالذات غير الموافقة على الدستور، بالإضافة إلى أن اللجنة اكتشفت - عبر تسجيل وردها بالصوت والصورة- بطاقات لم تدخل الصندوق من فتحته العليا، وإنما وُضعت والغطاء مرفوع.! وكل تزوير مدان، إلا التزوير الأخير، فهو ليس مجرد تزوير ندينه ويمضي، وتمضي بنا الحياة من بعده كما كانت قبله، فهذا التزوير سيترتب عليه إجراء أول انتخابات رئاسية في مصر، ولا مناقشة في أن هذا الاستفتاء المزور لا يصلح لأن يكون أساسا سليما لأي انتخابات يمكن أن ترتب نتائج دستورية في البلاد! نتيجة التقرير القضائي ببساطة تقول إن تعديل الدستور باطل ،وأن الاستفتاء المزور لا يصلح أن ينتج أوضاعا دستورية، وأن ما يبنى على التزوير ليس إلا أوضاعا مزورة لا تصلح للبقاء طويلا! الذين يسوقون كل الترتيبات التي تجري على قدم وساق من أجل انتخابات الرئاسة المقبلة إنما يضعون - بعد تقرير القضاة - موقع الرئاسة في مصر على شفا جرف هارٍ ينهار به إلى البطلان واللادستورية! أعرف أن مثل هذا الكلام يدخل أذن المعنيين ليخرج من الأخرى، ولكن يقيني أن يوم حسابهم قد قرب، وساعتها يندمون حين لا ينفع الندم! [email protected]