في كتابه المهم عن النظم السياسية والمعنون " النظم السياسية المقارنة" ذكر أيستون عن النظام السياسي في المكسيك قبل التحولات الديموقراطية الأخيرة عليه أنه نظام الكامريلا " وهي كلمة أسبانية معناها الفتوة أو رئيس العصابة أو الشلة ، وكتاب النظم السياسية المقارنة من أهم مراجع العلوم السياسية ، وهو يريد أن يقول إن هناك نوع من النظم السياسية القائم علي مفهوم الشلة أو العصابة حيث تستند هذه الشلل علي قوة علاقتها برئيس الشلة ، وقدم توضيحا عن طريق الرسم بدا فيه النظام السياسي وعلي رأسه يتفرد رئيس كل الكامريلات وهو مركز النظام السياسي هو الفتوة الكبير أو رئيس الفتوات وعنده تتجمع كل علاقات الشلل الأخري ثم تنطلق من عنده من المركز شبكة معقدة من علاقات الفتوات أو الشلل كل منها له " كامريلا "، وبقدر قوة العلاقة التي تكون للكامريلا " الأتباع بالرئيس يكون نصيب حصتها من القوة السياسية والاقتصادية التي يوزعها النظام السياسي علي هؤلاء الفتوات . وحين قرأت هذا الكلام اندهشت جدا ، ذلك أن الرجل يتحدث عن نظم متعددة لها نفس السمات وليس النظام المكسيكي وحده ، فالنظام المصري حين تتأمله تجد أن هناك شبكة من العلاقات كلها تبدو وكأنها شبكات للحصول علي المغانم السياسية التي يتيحها النظام السياسي ، وكل شبكة من هذه الشبكات يقف علي رأسها " كامريلا " أي قائد أو فتوة وهو الذي يسهل علاقة هذه الشبكة مع القواد الآخرين في الدرجات العلا أو يمدها لتصل إلي سرة النظام السياسي ومركزه عند الكامريلا" الأكبر . هنا الخطر في احتكار الحياة السياسية في فئة محدودة أو قليلة ، وهي تمارس هذا العمل السياسي لمصلحتها الخاصة أو مصلحة الفئة المرتبطة بها ، وبالطبع يحدث صراع بين هؤلاء الفتوات ولكن الفتوة الأكبر هو الذي يضبط الصراع بينها ويحدد قواعده ، في مجتمع كهذا لا يمكن أن تحدث نهضة حقيقية ، لأن الدولة هي ملك مجموعة من الشبكات التي يغلب عليها الطابع الوحشي ، وحين نقول كلمة "غيلان " وحيتان " فهذا هو نفس المعني الذي تعبر عنه هذه الشبكات . النظام المصري تحول إلي مجموعة من المنتفعين أو الشبكات أو الكامريلا " التي تتحرك لمصلحتها الخاصة ولا تعير المصلحة العامة للوطن أي اهتمام ، ومع ترسخ هذا الطابع الصراعي الذي يكون الانقسام فيه رأسيا بين القوي المنتفعة بوجود النظام الراهن فمن النادر إن لم يكن مستحيلا استجابة هذه الشبكات لصوت العقل ولمصالح الأمة ولصوت الجماهير المطالبة بمشاركتها لهؤلاء الحيتان في الانتفاع بخدمات النظام السياسي ومغانمه ، كما أنها ترفض أي شفافية أو وضوح في العملية السياسية لأن علاقتها أشبه بعلاقات شبكات المافيا كلها في الخفاء وفي الظلام، ولا يعرف الجمهور أو الشعب عن صفقاتها شئ ، ومن ثم فإن التغيير في ظل سيادة منطق الكامريلا أو الفتونة لا يكون سلميا وإنما يأتي عادة عن طريق التحولات الدرامية التي تراق فيها الدماء، ونحن نأمل أن يستمع النظام السياسي المصري لصوت العقل ويستجيب لمطالب الناس بالمشاركة والعلانية وحق المعرفة ، وحقها في القضاء علي شبكات الفساد حماية لمستقبل هذا الوطن الذي ناء بعبث وحمل ووزر هذه الشبكات وهؤلاء الفتوات والأغوات .