انطلقت اليوم أحداث الحوار الوطني الذي دعا إليه الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، لوأد نار الفتنة التي اندلعت بين القوى السياسية وراح ضحيتها أكثر من 6شهداء وأكثر من 700مصاب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هي الأسس التي ينبغي أن يبني عليها هذا الحوار حتى نرسو بسلام بسفينة الوطن المضطربة والتي تتقاذفها أمواج صراعات الأحزاب السياسية العاتية. إن الحوار الوطني في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها "كنانة الله" إن لم يكن خالصا لله والوطن ومبني على أسس دينية وأخلاقية، فلن يزيد النار إلا اشتعالًا ولن يزيد البلاد إلا احتراقًا، ومن أهم هذه الأسس التي حددها الإسلام في أدب الحوار ما يلي: أولا: لابد وأن يلتزم جميع أطراف الحوار بحدود الله، وفي مقدمتها صون اللسان عن الخطأ أو السب أو اللعن أو الإساءة للطرف الآخر حيث قال تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا" ، وقال تعالي:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ثانيا: لابد وأن يكون الحوار هادفاً إلى الخير وإلى تحقيق مصالح المسلمين حيث قال تعالي :"لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا". وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، أنه قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". ثالثا: لابد وأن ينأى الحوار عن المراوغة والتضليل والخوض في الباطل وأن يصدع للحق فقط من كلا الطرفين مهما كانت النتائج، حيث قال الله تعالى: "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ" سورة الأحزاب. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق "، ويقول صلي الله عليه وسلم أيضا: "لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله –عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى". ثالثا: أن يلتزم كل طرف بالصدق في الحوار وعرض الرؤى لأنه أمر من الله تعالى، حيث قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119]، ولقد كان الصدق صفة لازمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت قريش بأسرها يلقبونه بالصادق الأمين، لشدة صدقه وحرصه علي قول الحق ولو كان مرا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَبُرَتْ خيانة أن تحدِّث أخاك حديثًا، هو لك مصدِّق، وأنت له كاذب)، وقال أيضا: "تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهَلَكَة، فإن فيه النجاة"، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصْدُقُ؛ حتى يُكْتَبَ عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل لَيَكْذِبُ، حتى يكْتَبَ عند الله كذابًا" [متفق عليه]. رابعا: لابد وأن يبتعد الحوار عن الجدل: لأن الجدل لا طائل من وراءه، ولا يقصد منه إلا إفحام الخصم أو التشهير به، وإظهار الخلل في كلامه أو فعله أو قصده، وقد حثنا الشارع الحكيم علي هجر الجدال في الحديث إلا بالتي هي أحسن، حيث قال تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم، بالبعد عن الجدل فقال: "أنا زعيم ببيت في رياض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً". خامسا: البعد عن المدح وتزكية النفس حيث أنها تشعر الخصم بالضيق والحرج لأن تزكية النفس داخلة في باب الكبر والافتخار، وقد نهانا الله عن ذلك، حيث قال تعالى: "فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى". [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]