لا شك أن قرارات الرئيس مرسى جاءت صادمة لقوى سياسية عديدة، ارتأت في نفسها القوة التي تمكنها من مناطحة الرئيس وتسيس قراراته، خاصة بعد اقتناعهم الكامل بسقوط هيبة الدولة التي استماتوا على إسقاطها منذ اليوم الأول للثورة، ليس رغبة منهم في إسقاط شخصية الرئيس الديكتاتور وإنما لإيجاد كراس مجاورة للرئيس؛ يمكنهم من خلالها التحكم في قراراته ومراجعتها والاعتراض عليها، ليصبح الرئيس ليس سوى دومية يحميها كرسي وتحركها أطراف متناثرة. ووجد بعض من القضاة ضالتهم في ذلك الوسط التأمري والفوضى الخلاقة التي صنعتها االأطماع وقَنَنَ القضاة مسيرتها؛ فوصلت مصر إلى ما آلت إليه الآن من انفلات أمني غير مكبوح، وانهيار اقتصادي غير مسبوق، وطالت فترة الانتقال وعدت الشهور والسنوات ولم تحقق الثورة البيضاء مراميها. حيث وقف القضاء على الطريق، فلم تنهض مصر من كبوتها، وتعثرت خطوات النهضة وكثرت الجرائم والكوارث والفاعل فى كل الحالات مجهول. وضاع الوقت في إجراءات تقاضٍ عقيمة لم تسفر سوى عن هدم منظم ومحكوم بقوانين لكل كيانات الدولة سواء المنتخبة أو غيرها، فأجرينا أكثر من ثمانية انتخابات تم الطعن في مشروعيتها ولم يستفد منها سوى القضاة، الذين هبطوا على الفضائيات نجومًا وزجوا بأنفسهم في دهاليز السياسة أقطابًا، متناسين أن ممارستهم للسياسة عمل تجرمه كافة الشرائع الديمقراطية في العالم، والتزم القضاة بنص القانون دون مراعاة للظرف التاريخي الأليم الذى نعيشه ويدفع ثمنه البسطاء، وكأن القضاة قد رأو في أنفسهم بديلًا مناسبًا لهيبة الدولة وسلطة الرئيس، مستغلين في ذلك النهج الإصلاحي الذي تبناه الرئيس مرسي تحاشيًا للتصادم مع القوى السياسية والاصطدام بإرادة الشعب، وتناسى القضاة تمامًا أنهم كانوا شريكًا أصيلًا في نظام مبارك وأن أحكامهم كانت موضوعة بسلة علقها مبارك بذراعه اليمنى يكافئ بها من يشاء من محبيه ويذل بها من يشاء من معارضيه، فإذا كان الحاكم في الثلاثين عام الماضية بمثابة إلهًا فقد كان القضاة أنصاف آلهة تمشى على الأرض. وفي ظل التعنت المتعمد من القضاة والإصرار غير المبرر من القوى السياسية الأخرى على عدم معاونة الرئيس وحالات الهيجان الثوري المستمرة والآمال التي عقدها الشعب على الثورة والوعود التي قطعها الرئيس على نفسه والمشروع الإسلامي الذي يترقبه العالم ؛ أصدر الرئيس إعلانه الدستوري الصادم والذي تحول بمقتضاه الرئيس من المنهج الإصلاحي إلى المنهج الثوري، ومن ديمقراطية الحوار إلى الاستبداد بالرأي، فاتحد المعارضون على اختلاف مشاربهم وتشرذم المؤيدون من دواخلهم وانقسم الشعب بين مؤيد ومعارض، ولم يدرك الجميع بأنهم هم من صنعوا الدكتاتور بسلبيتهم وسوء تقديرهم وعدم تعاونهم وأنانيتهم المفرطة على حساب صالح الوطن. ورغم تأييدى المطلق لقرارات الرئيس فيما يتعلق بحماية المنشآت وتحصين مجلس الشورى من الحل أسوة بكافة الدول الديمقراطية التي لا تحل البرلمان لعوار دستوري حفاظًا على المال العام، وكذلك تأييدي لقراراته فيما يتعلق بإعادة محاكمة قتلة الثوار لتوفر أدالة جدية وأطراف جدد في القضايا توصلت إليهم لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس فور توليه السلطة، وكذلك تأييدي لإقالة المستشارعبد المجيد وتعيين نائب جديد في إطار التعديلات التي أجراها الرئيس على قانون السلطة القضائية، فإنني لا أوافق على تحصين قرارات الرئيس، وأن تسفر الثورة التي راح ضحيتها آلاف من الأبرياء وحُرِقَت من أجلها مئات من المنشآت عن مستبد جديد ولو لشهرين، ومهما كانت الضمانات، وعلى الرئيس أن يتراجع عن تلك المادة ويدرك أنه لن يصبح ريئسًا حرًا إلا إذا كان شعبه حر، وإلا فلنقل على الثورة السلام.. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]