"فوبيا" الشريعة الإسلامية أصبحت شماعة التيارات الليبرالية والعلمانية والأحزاب المدنية لترويع الشعب المصري والعامة من الشريعة الإسلامية وقد نجحت هذه التيارات الغربية الطبع والثقافة والهوى من الترويج لهذه الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة حتى أصبح ليدنا قطاع كبير من المجتمع يعتبرون أن تطبيق الشريعة الإسلامية شبح يهدد أمن واستقرار البلاد. المؤسف أن كثير من المنتمين للأحزاب والتيارات الإسلامية يساعدون التيارات الليبرالية في تأكيد هذا المعنى بإطلاق العشرات من الفتاوى الشاذة والمريضة والتي لا تستند إلى مرجعية دينية أو فقهية مثل فتوى هدم الأهرامات وفتوى "أسامه بن لادن أفضل عند الله من صلاح الدين الأيوبى" وفتوى تكفير كل من لم ينتخب الإسلاميين وغيرها من الفتاوى الشاذة التي تستخدمها هذه التيارات كدليل على تطرف التيارات الإسلامية حسب رأيهم – رغم أن الإسلام بريء من مثل هذه الفتاوى الشاذة!! وبعيدًَا عن هذا وذاك نحاول في هذا التحقيق التوصل إلى المعنى الحقيقي للشريعة الإسلامية ونبدأ بتعريف الشريعة من الناحية اللغوية: فهي الطريقة المستقيمة ومنه قوله تعالى :" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) " الجاثية، وقيل هي مورد الماء الجاري الذي يقصد للشرب يقال: شرعت الإبل إذا وردت شرعة الماء. أما معناها في الاصطلاح: فهي الأحكام التي سنها الله لعباده عن طريق أحد أنبيائه عليهم السلام, وهذا تعريف عام, أما التعريف الخاص بالأمة الإسلامية فهو: ما شرعه الله عن طريق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وفي التعريف اللغوي للشريعة نجد أنه عرفها بأنها مورد الماء, لأن بها حياة النفوس والضمائر وسعادتهم كما أن في الماء حياة الأبدان فكما تنعدم الحياة مع انعدام الماء, فإن الضمير يموت وينعدم بإقصاء الشريعة من الحياة " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) ، ولذلك بسبب موت الشريعة في نفوس البعض نجد أن نفوسهم خاوية وضمائرهم خربة وقلوبهم وعقولهم في حيرة, من أجل ذلك يتجهون إلى الانتحار. ومن عظمة القرآن أنه لم يهمل الحديث عن هؤلاء الذين مات ضميرهم بل وصفهم وصفاً يليق بهم، يقول تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 257]. فماذا نرجو من إنسان أخرجه الشيطان من النور إلى الظلمات؟ إنه مثل إنسان ميت يائس لا حياة فيه ولا استجابة لديه، وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية الجديدة! لقد أثبتت أن الملحدين هم أتعس الناس على الإطلاق " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)" طه إن الملحدين هم أكثر الناس يأساً وإحباطاً وتفككاً وتعاسة!!! ولذلك فقد وجدوا أن أعلى نسبة للانتحار على الإطلاق كانت بين الملحدين واللادينيين، ثم البوذيين ثم المسيحيين ثم الهندوس وأخيراً المسلمين الذين كانت نسبة الانتحار بينهم تقترب من الصفر، فأعلى نسب الانتحار بين الذين لا ينتسبون لأي دين، بل يعيشون بلا هدف وبلا إيمان. ولذلك أكدت الدراسات العلمية المتعلقة بالانتحار أن أكبر نسبة للانتحار كانت في الدول الأكثر إلحاداً وعلى رأسها السويد التي تتمتع بأعلى نسبة للإلحاد، أما الدانمرك فكانت ثالث دولة في العالم من حيث نسبة الإلحاد حيث تصل نسبة الملحدين (واللادينيين) إلى 80 %، وليس غريباً أن تصدر منها الرسوم التي تستهزئ بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. إن هؤلاء بعد أن أصيبوا بعاهات في بصيرتهم لن يجدي معهم نصح ولا نصيحة بعد أن طرقت النصيحة قلوبهم آلاف المرات فلم يفقهوا ولم يبصروا النور والحقيقة, " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ "(17)- محمد "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)" الأنعام يقول العلامة ابن القيم في مدارج السالكين في مرتبة الإسماع : قال الله تعالى " وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)" الأنفال, وقد قال تعالى:" وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)" فاطر إن العنف في الموعظة والتنطع في النصيحة من الأمور التي تنفر العامة من الإقدام علي شرع الله بعد أن تحولت الشريعة في نظرهم إلى مصدر للخوف والرعب ولو أن دعاتنا تحلو بالحكمة والموعظة الحسنة لأقبل الناس عليهم وقاتلوا من أجل تطبيق الشريعة قال تعالي: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)" النحل " , " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)" البقرة إن الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة - الهين اللين السمح الرحيم الرقيق - يعرف قيمة ما يحمل، ويعرف قيمة ما يعرض, وأحب الخير للناس, وحمل إليهم الخير وأخذ بأيديهم برفق ولين , وقادهم وعرفهم وأرشدهم فأقبلوا عليه وأطاعوه وبهذا نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- ووجه معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فعن بن عباس - رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ". قال أشعث بن عبد الله عن الفرزدق الشاعر قال نظر أبو هريرة إلى قدمي فقال: يا فرزدق إني أرى قدميك صغيرين فاطلب لهما موضعا في الجنة، فقلت: إن ذنوبي كثيرة، فقال: لا بأس فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ".