في نفاق الشعراء والكتاب للحكام في العصور السابقة لم أجد أشد نفاقاً من الشاعر ابن هانئ الأندلسي فقد راح يمجد وينافق الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائلاً: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار تجاوز ابن هانئ كل الخطوط الحمراء في نفاقه للخليفة الفاطمي وشبهه والعياذ بالله بالواحد القهار وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى مر العصور ابتلت الأمة بمنافقين من أمثال ابن هانئ الذين يصنعون بنفاقهم الرخيص زعامات وهمية حتى لو كانت على حساب الرموز الدينية والوطنية. وذات مرة قال الشاعر العربي الراحل نزار قباني مازحاً «إن غالبية الكتاب العرب سيدخلون النار لأنهم غيروا جلودهم أكثر من مرة». وله كل الحق فيما قال فهناك من الكتاب الذين يطلون علينا الآن ليقدموا شهاداتهم على العصر من قريب وبعيد ومن الداخل والخارج تقلبوا في كل المضاجع السياسية والعقائدية وتساوت لديهم القضايا وتشابه عليهم البشر واختلطت عندهم كل القيم وأصبحوا مثل «الحجر المتحرك لا ينبت عليه العشب» كما يقول المثل الإغريقي. هذا النوع من الكتاب وما يسطرونه هم أسوأ نوع يمكن أن يصيب حاكماً أو نظاماً عند الكتابة عنه والإشادة بمنجزاته لأنه يصل إلى الدرك الأسفل من النفاق الذي يصيب من يقرأ بحالة استفزاز ثم اشمئزاز وضيق ونفور مما يكتب عنه. في مصر الآن وبمناسبة حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين المتنافسين على كرسي الرئاسة في مصر فوجئ المتابعون للصحف القومية ببعض الكتابات التي تقدم شهادتها من أجل دعم وتأييد مرشح الحزب الوطني الديمقراطي الرئيس حسني مبارك وهذا حقها تماما ولا يمكن لأحد أن يصادر رأي من يكتبها والكل حر فيمن يهوى ويكتب أو أن يقول مثلما قال مالك في الخمر وما لم يقله في مرشحه وإبراز الجوانب المضيئة و«الملعلعة» في شخصه إنما أن يأتي ذلك على حساب فترة زمنية معينة من تاريخ مصر وعلى حساب زعيم من الزعماء كنوع من المقارنة وإمعان في النفاق فهذا ما يستوجب التوقف عنده لأن تلك المقارنة قد تكون في غير صالح المرشح وقد تحسب عليه وبالتالي تكون كتابات وشهادات هؤلاء الكتاب وبالاً على المرشح. لذلك لا ندري ما العلاقة بين دعم وتأييد وتقديم شهادات عن قرب وشهادات على العصر والهجوم على ثورة يوليو وجمال عبد الناصر... هو فيه إيه؟! واعتقد أن الرئيس مبارك وهو المشهود له بعدم مهاجمته ثورة يوليو وزعيمها وتكريمه لهما على الدوام وفي كل مناسبة لا يفرحه أن يكتب عن عصره كاتب يبرز فيه إنجازاته وصفاته الشخصية الحميدة، مهاجم في الوقت ذاته الثورة وزعيمها. فالرئيس مبارك نشهد له بأن في فترة حكمه تم الإفراج عن خطب عبد الناصر ووثائق الثورة والأغاني الوطنية التي مجدت الزعيم والثورة وتأسست حركات وأحزاب ناصرية وعلت فيها صور وشعارات عبد الناصر بالتالي يصبح من غير المنطقي أو المقبول أن يكون راضياً عن شهادة تأييد في شخصه وحكمه لإعادة ترشيحه لمنصب الرئاسة على حساب التجريح في ثورة يوليو من بعض الكتاب الذين كانوا في السابق من دراويش يوليو ومحبي زعيمها، فالرئيس مبارك يدين بالفضل والعرفان للثورة وزعيمها أو كما يقول الدكتور مصطفى الفقي بأن «مبارك ابن الثورة» فقد تبوأ فيها مواقع عسكرية لافتة فالطيار حسني مبارك لمع نجمه في العصر الناصري فهو طيار القاذفات في حرب اليمن اللامع والضابط المرموق الذي ذكر اسمه المشير عامر القائد العام للقوات المسلحة حينذاك في إحدى خطبه اعتزازا بكفاءته وشجاعته وعينه الرئيس عبد الناصر عقب حرب يونيو رئيساً لأركان حرب القوات الجوية المصرية بعد ترقية استثنائية ولذلك وكما يقول الدكتور مصطفى الفقي فليس لمبارك وتر شخصي مع يوليو وزعيمها. أما بعض الكتاب الذين يهاجمون يوليو ويتباكون على الحرية المفقودة في عصر عبد الناصر فليس غريباً عليهم ذلك فقد تقلبوا في سهولة ويسر على الحقب السياسية المختلفة من عبد الناصر إلى السادات حتى مبارك.و هناك مثل تشيكي أو موزمبيقي أو إغريقي لا أتذكر يقول «إن الكاتب يموت مرتين إذا نافق السلطان وإذا امتطى حصان طروادة مدعيا البطولة» وإذا طبقنا ذلك على بعض كتابنا فلابد أن يكونوا قد ماتوا عشرات المرات ومنذ زمن. ------- صحيفة البيان الاماراتية في 31 -8 - 2005