جاء فى كتاب(سِراج الملوك) لأبى بكر الطرطوشى: «مَثَلُ السلطانِ الجائرِ مثلُ الشوكةِ فى الرِّجْل، فصاحبُها تحت ألمٍ وقلقٍ، ويَتَدَاعَى لها سائرُ الجسد، ولا يزالُ صاحبُها يَرُومُ قَلْعَها، ويستعين بما فى ميْسُوره من الآلات والمناقيش والإِبَر على إخراجِها، لأنها فى غير موضعها الطبيعيِّ، ويوشك أن يُقْلَع بالأجرة». هذه صورة السلطان الجائر كما صورها الطرطوشى قبل مئات السنين، وانطبقت على سلاطين زماننا البائس منذ ستين عاما، حيث تكالب على شعبنا وأمتنا أشباه الرجال الذين أذاقوا شعبنا سوء العذاب ونهبوا خيراته وداسوا آماله، وجعلوه معرة الأمم! وحين تحررت مصر بفضل الله من أسر السلطان الجائر فى ثورة يناير المباركة، كان الأمر قاسيا وصعبا وشديدا على من استخدمهم السلطان الجائر ليكونوا عونا له وأبواقا وخداما فى تسويغ جرائمه ضد الشعب، وتبرير أخطائه وخطاياه التى ارتكبها ضد المواطنين الأبرياء، وكان عليهم بعد أن زالت دولتهم الظالمة، أن يتجمعوا على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ليعطلوا مسيرة الثورة، ويعرقلوا انطلاق الحرية، ويرفعوا من شأن المأجورين والمنافقين، ويقيموا تحالفا ضد الديمقراطية وبناء الوطن! فيما عرف بأزمة النائب العام وتعيينه سفيرا فى الخارج؛ انطلقت قوى الشر والنفاق والانتهازية لتهين الرئيس والأغلبية الإسلامية، فى مهارج بائسة، تنضح بروح الحقد والغل والكذب وإهدار دماء الشهداء. لقد كان المطلب الرئيسى منذ نجاح الثورة وسقوط السلطان الجائر إقالة النائب العام ليلحق بالرئيس الذى عينه، فقد قصّر كما قال الثوار فى الميدان فى ملاحقة القتلة الذين قتلوا قرابة ألف شهيد فى ميدان التحرير والمحافظات، وخرج المتهمون جميعا أبرياء فى كل القضايا التى تم تقديمهم إليها بسبب عدم تقديم أدلة الإدانة. لقد رأى الرئيس أن يخرج النائب العام بصورة مشرفة بعد براءة متهمى موقعة الجمل وغضب الشعب على النيابة العامة، ليكون سفيرا فى الخارج، وتمت المشاورات بين الرئاسة والنائب العام، وفهمت الرئاسة أن الرجل وافق على المنصب الجديد، ولكن الخلاف كان على مكان السفارة: الفاتيكان أو الإمارات. وظل النائب العام صامتا لمدة عشر ساعات، خرج بعدها من يقول إنه يرفض المنصب الجديد ويتمسك بمنصبه حرصا على استقلال القضاء. وبسرعة البرق انقلب الثوريون الذين كانوا يطالبون بإقالة النائب العام، ليتحدثوا عن الشرعية والقانون واستقلال القضاء، ورأينا منافسات رخيصة فى تغيير المواقف والآراء، ليس حبا فى النائب العام ولكن كراهية للرئيس وللأغلبية الإسلامية التى منحها الشعب ثقته. كان من أطرف ما رأيت فى المسامرات الليلية على شاشة بعض الفضائيات كاتبا متسلقا من خدام المخلوع والمجلس العسكرى يصف الرئيس مرسى بالسلطان الجائر ويشبه النائب العام بالعز بن عبد السلام سلطان العلماء فى عهد المماليك! ومع أن التشبيه يدل على الجهل المطبق، والخلل المعرفى لدى الكاتب محدود الثقافة والفكر والموهبة؛ فإنه يكشف عن سوء النية الذى يحكم خدام البيادة والاستبداد، وكراهيتهم الشديدة للثورة والنظام الجديد الذى يسعى لتحقيق العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية. حين وصف الكاتب المتسلق مدعى النضال والثورية الرئيس مرسى بالسلطان الجائر فتحت المذيعة العجوز فمها على آخره ابتهاجا بما قاله ضيفها البائس، وانفجرت ضاحكة فتحرك وجهها المعبأ بأصباغ العالم وألوانه لإخفاء ما فعله الزمان، وتحركت التجاعيد النائمة لتعلن عن وجودها القاهر، وقالت الهانم المتصابية: ألست خائفا مما تقول؟ فقال لها: إنه ليس خائفا! وضحك الاثنان فى سخرية من الرئيس الذى انتخبه الشعب المصرى! هل كان صاحبنا أو صاحبتنا يتكلمان عن مبارك المخلوع فى ظل حكمه وسطوته بمثل هذه البجاحة وتلك الوقاحة، وهما اللذان كانا وأمثالهما يسبحون بحمده ويقدسون له ويقولون فيه ما يقال لله؟ ثم هل يتشابه سلطان العلماء العز بن عبد السلام مع النائب العام؟ العز بن عبد السلام (577 ه - 660 ه) ولد فى دمشق وتوفى فى مصر؛ وهو من علماء السنة على المذهب الشافعى لقب ب"عز الدين" و"سلطان العلماء" و"بائع الملوك". كان جليلاً مهيباً حسن الصورة، منبسط الأسارير، متواضعاً فى مظهره وملبسه، برز فى زمن الحروب الصليبية وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية فى آخر عهدها. ولعل أبرز نشاطاته هو دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولى التترى وشحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب على الغزاة، خصوصا قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك. وصل العزّ بن عبد السلام إلى مصر سنة 639ه، فرحّب به الملك الصالح نجم الدين أيوب وأكرم مثواه، ثم ولاّه الخطابة والقضاء. وكان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، وهم مملوكون لغيرهم، بالبيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر، وهو ما يتعارض مع الشرع الإسلامي، إذ هم فى الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. فامتنع أن يمضى لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذى لم تعجبه بدوره فتوى العزّ، فأمره أن يعْدل عن فتواه، فلم يأتمر بأمره، بل طلب من الملك ألا يتدخل فى القضاء إذ هو ليس من شأن السلطان. وبعد وصول قطز لسدّة الحكم فى مصر، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم، عمل العزّ على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاة التتار الزاحفين. ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرّعية للإعداد للحرب، وقف العزّ بن عبد السلام فى وجهه، وطالبه بألا يأخذ شيئا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التى تتناسب مع غناهم حتى يتساوى الجميع فى الإنفاق، فنزل قطز على حكم العزّ بن عبد السلام. ويوم توفى العزّ بن عبد السلام فى مصر. قال الظاهر بيبرس: "الآن فقط دان لى حكم مصر!". هل يمكن تشبيه العز بن عبد السلام بالنائب العام، وتشبيه الدكتور محمد مرسى بالسلطان الجائر؟! ما أتعسكم يا خدام البيادة وأنصار الطغاة!