لو كنت مكان الدكتور عصام العريان أو أحد قيادات الحرية والعدالة لاعترفت على الفور بحدوث خطأ سياسى تمثل فى الإعلان عن مشاركة الإخوان المسلمين فى تظاهرة يوم الجمعة (12/10/2012م)، الأمر الذى اغتنمه المتربصون والحاقدون وحاولوا استغلاله لإحداث فتنة مدمرة فى مصر ولكن الله سلم، ولو كنت مكان أحد هذه القيادات لما ترددت لحظة واحدة فى تقديم اعتذار واضح للمصريين عن هذا الخطأ فى تقدير الموقف، وهذا لا يشين الإخوان ولا يقلل من قدرهم ومكانتهم، بل يكسبهم مزيدا من المصداقية فى أعين الشعب المصرى الذى لا يثق كثيرا فى القوى السياسية الأخرى. على أية حال ما وقع فيه الإخوان يعد فى تقديرى خطأ عابرا، ولا يوجد أى حزب سياسى فى العالم كله معصوم من الأخطاء، لكن فرقا شاسعا بين الأخطاء التى يقع فيها حزب الحرية والعدالة والخطايا التى تقترفها بقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى دون استثناء، ومن ذلك ما يلي: 1. عرقلة جهود الرئيس محمد مرسي، والسعى لإفشاله وإجهاض مساعيه لإرساء الاستقرار وجذب الاستثمارات؛ وذلك فقط نكاية فى الإخوان وكراهيةً لأن يحصل فى مصر استقرار ورخاء على يد واحد منهم، ووصل الأمر إلى إنكار أى إنجاز حققه الرجل، والمزايدة عليه وعلى قراراته بشكل رخيص، والغرض من ذلك دفع الشعب للإحباط والغضب والثورة، وكأنه يحكم البلد منذ سنوات وليس من مائة يوم فقط، ويعلم الله أنه لو كان أى شخص آخر من منتقدى مرسى مكانه لما فعل عُشْرَ ما فعل، ويكفيه أنه قام بالعبور الثالث بالشعب المصرى نحو الدولة المدنية وإنهاء حكم العسكر دون إراقة قطرة دم واحدة وفى مدة وجيزة للغاية. 2. شل الاقتصاد المصرى وإرباك المجتمع باستمرار من خلال الدفع إلى التظاهرات الفئوية، والدعوة إلى المزيد من الإضرابات فى شتى المجالات، وكأن مرسى استلم الحكم من سنوات ولم يفعل شيئا، والسعى الدائم لإثارة الخلافات والنزاعات بين الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية بدعوى حماية حرية الإبداع تارة وعدم التوازن فى الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور تارة أخرى، والغاية من كل ذلك تبديد طاقات الوطن وتشتيت جهود الرئاسة فى هذه الخلافات التى لن تنتهي، وعرقلة مرسى عن العمل ثم الانقضاض عليه بدعوى عدم الإنجاز. 3. المتاجرة بدماء الشهداء، والمزايدة على الإخوان المسلمين فى حماية الثورة، والادعاء بأنهم اختطفوها، والشعب المصرى واعٍ ويدرك أن هذا كله محض افتراء، ويعلم تمام العلم أن الإخوان المسلمين كانوا وقود الثورة الحقيقي، ولولا جهودهم المخلصة وبسالتهم المشهودة أثناء الثورة، وحكمتهم ورويتهم وحلمهم وأناتهم فى التعامل مع قضايا الفترة الانتقالية، لما نجحت الثورة بهذا الشكل، والله تعالى وحده يعلم كيف سيكون حالنا الآن. 4. التحريض ليل نهار على الإخوان المسلمين، ونسبة كل نقيصة إليهم، وإغراء الناس بهم، واتهامهم بالهيمنة والتكويش، ثم اتهامهم بالفشل فى تحقيق أى إنجاز ملموس على أرض الواقع، وضخ كم هائل من الأكاذيب والافتراءات عليهم لتشويههم فى أعين المواطنين، وقطعا ليس مطلوبا من الأحزاب والقوى السياسية الأخرى أن تمجد الإخوان وتسبح بحمدهم، ولم يقل أحد بذلك، لكننا من أجل مصر نطالب بالتنافس السياسى الشريف والنقد البناء والتحلى بالموضوعية والإنصاف، لكن كل ما تفعله القوى والأحزاب السياسية من تشويه لحزب الحرية والعدالة ليس من التنافس السياسى الشريف فى شيء، وإنما هو تصفية حسابات، أو تهيئة الأجواء للانتخابات البرلمانية القادمة. 5. قيام الآلة الإعلامية الجبارة التى يمتلكها الفلول وكل أعداء الفكرة الإسلامية فى الداخل والخارج بشن حملة تشويه ممنهجة للحرية والعدالة والزعم بأنه الحزب الحاكم، وهذا غير دقيق فقد استقال الرئيس مرسى من رئاسة الحزب بمجرد فوزه، والحكومة الحالية هى حكومة كفاءات (تكنوقراط) ولا يوجد للإخوان فيها سوى خمسة وزراء من بين أكثر من خمسة وثلاثين وزيرا، ولا يوجد بين المحافظين غير أربعة فقط من الإخوان من بين سبعة وعشرين محافظا، وللأسف الشديد لم يتوقف أمر تشويه الإخوان والتشهير بهم على العلمانيين واليساريين والليبراليين بل شارك فى هذه الحملة الشرسة بعض التوجهات الإسلامية، وبعض الكتاب والصحفيين والإعلاميين من ذوى الميول الإسلامية (أو المحسوبين كذلك...!!) إما تمهيدا للانتخابات القادمة، أو بسبب المصالح الخاصة والارتباطات مع بعض الدول الخائفة من عدوى الربيع العربى (ولعل موقف دولة الإمارات الرسمى المتحامل على الإخوان المسلمين خير دليل على ذلك...!!) أعتقد أنه آن الأوان للتوقف عن ارتكاب هذه الأخطاء والخطايا بحق مصر، يجب أن ترجع روح ميدان التحرير إبان ثورة يناير المجيدة لتُظِلَّ الجميع، لقد قال الإخوان مرارا: إن مصر أكبر من كل القوى والأحزاب، ولا يمكن لأى فصيل مهما كانت قوته أن يدير شئون هذه الدولة العريقة بمفرده، فلمَ الصراع إذن؟ لماذا لا يتوافق الجميع من أجل مصر ومصلحة شعبها؟! وقطعا لا يعنى التوافق إقصاء أحد، لا الإسلاميين ولا غيرهم، كما لا يعنى هيمنة أى طرف على الآخرين، نتمنى من جميع الحكماء المخلصين من كل الاتجاهات والتيارات أن يتجردوا من أهوائهم ومصالحهم حفاظا على مقدرات الوطن، وليتركوا الأمر يقرره الشعب المصرى العريق بكل حرية عن طريق صناديق الاقتراع!! * كاتب مصري. [email protected]