كثرت فى الآونة الأخيرة التصريحات والكتابات عن الحريات العامة والسلطة وإدارة نظام الحكم فى الدولة وقد تفاوتت هذه الكتابات فى قيمتها وذلك بسبب اختلاف الفكر والأهداف والبواعث ولكن أن تكون هناك تصريحات غابت عنها حقائق قانونية ويشوبها القصور والغموض لأستاذ قانون أصبح فيما بعد وزيرًا فمن حقنا بل ومن واجبنا أن نعرض لها. الدكتور محسوب قبل تعيينه وزيرًا قال "للآسف سلوكيات حزب الحرية والعدالة منذ حصوله على الأغلبية البرلمانية لم تتغير فهو يميل غالبًا إلى البحث عن مساعدين وليس عن شركاء" وهنا يثور التساؤل هل قبلت الوزارة باعتبارك مشاركًا أم مساعدًا؟ ثم استطرد الدكتور محسوب قائلاً إنه يتعين استبعاد المخاطر التى تحيط بعملية التحول الديمقراطى وأولها مخاطر الاستحواذ. وبعد تعيينه وزيرًا أدلى بحديث لجريدة الأخبار بتاريخ 19 أغسطس 2012 أوضح فيه أنه بالنسبة لقضايا التحكيم الدولى سوف يتم دراسة هذه الدعاوى وإمكانية التسوية مع المستثمرين أو بالمواجهة القضائية ومعالجة الثغرات. والحقيقة أن الدكتور محسوب غابت عنه حقائق قانونية فبموجب اتفاقية واشنطن التى أنشأت المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار يكون الاختصاص لمحكمة المركز بنظر منازعات الاستثمار التى تنشأ بين دولة متعاقدة وبين مواطن من دولة أخرى متعاقدة. وقد ذهبت هيئات التحكيم المنعقدة تحت مظلة المركز إلى اعتبار وجود نص فى التشريع الداخلى للدولة يشير إلى التحكيم بمثابة رضاء الدولة بتحكيم المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار كما أن رضاء الدولة بالتحكيم يعد متوافراً من خلال اتفاقيات الاستثمار الثنائية والمتعددة الأطراف التى تكون الدولة طرفاً فيها، وعليه فأنه يكفى أن يتقدم المستثمر بطلب للمركز الدولى لكى ينعقد الاختصاص له بنظر هذه المنازعات حيث يعتبر تقديم المستثمر طلب التحكيم بمثابة قبول للعرض المطروح من جانب الدولة فى شكل نص تشريعى أو معاهدة ثنائية أو معاهدة متعددة الأطراف، كما أن النص على وسائل لتسوية المنازعات لم يمنع المركز من نظر هذه المنازعات وقد حدث هذا بالفعل فى العديد من القضايا. يتضح من ذلك أن الأمر يتعلق بمعاهدة واشنطن التى جاءت نصوصها غير دقيقة فى كيفية تراضى الأطراف على اللجوء لتحكيم المركز الأمر الذى يتطلب إعادة النظر فى نصوص الاتفاقية. ولم تقف الاتفاقية عند هذا الحد بل جعلت الرقابة على أحكام المحكمين لا يخضع لرقابة قضاء الدول المتعاقدة بل تشكل لجان خاصة داخل المركز لنظر الطعون فأى مواجهة قضائية يتحدث عنها الوزير!! وقد ذهب الدكتور محسوب إلى أن مجلس الشورى سيتم تطويره من حيث اسمه بأن يصبح مجلس الشيوخ ويستعيد سلطاته التشريعية، ومجلس الشورى سيساعد فى تعيين شخص معين مثل المحكمة الدستورية العليا. وفى الواقع أنه من الأجدر الاكتفاء بمجلس الشعب كمجلس تشريعى كما أن دور المجالس القومية المتخصصة أقوى بكثير من مجلس الشورى الذى يتحدث عنه الوزير فالمجالس القومية المتخصصة ستكون مليئة بخبرات قانونية وفنية وهندسية وفى كافة المجالات وهو ما لا نضمنه فى مجلس الشورى إذ أن الانتخابات لا تأتى دائماً بالأفضل وبدلاً من تحميل ميزانية الدولة ملايين الجنيهات فى العملية الانتخابية بمجلس الشورى أليس من الأفضل اللجوء إلى المجالس القومية المتخصصة وتعزيز دورها. وقد أكد الدكتور محسوب أن مصر ستكون ممتلئة بهيئات مستقلة تتابع التعليم والصحة علاوة على أن باب الحقوق والحريات فى الدستور الذى يتم إعداده يتضمن 52 مادة على خلاف الدستور القديم الذى كان يتضمن 20 مادة. الدستور ليس مجموعة من النصوص بل كما قال شارل ديجول إن الدستور فكر ومؤسسات وممارسة، وعليه فإن حديثك سابق لأوانه حتى وإن تحققت الفكرة كما تقول فما زلنا فى بناء المؤسسات وتبقى الممارسة المرحلة الأخيرة. ليست كثرة النصوص وليست كثرة المؤسسات كما تقول تتحقق الحريات بل بفاعلية هذه المؤسسات فى المجتمع وقدرتها على الحركة والتغيير وتعبيرها عن نبض الشارع. وفى النهاية نقولها بكل صراحة لمن بيدهم مقاليد الأمور والسلطة الآن إنه لن يكون هناك تقدم إلا بالكفاءات وأصحاب الفكر المبدع وليست شخصيات ذائعة الصيت فى الإعلام، والحقيقة أنه قد آن الأوان للتوقف عن الكلام والتصريحات فالإنجازات تتطلب أن نعمل لا أن نتكلم. دكتوراه فى التحكيم التجارى الدولى