فاجأنا الرئيس محمد مرسى قبل أسابيع بتكريم اللواء جلال هريدى، مؤسس سلاح الصاعقة، بمنحه رتبة الفريق الفخرى بعد 45 عامًا من الظلم والتجاهل، وهو أمر قاسٍ على النفس.. الرجل من فرط سعادته لاسترداده اعتباره كاد يبكى من هذه اللفتة الكريمة التى لم يتوقعها يومًا، خصوصًا أن قطار العمر بلغ ال 83 وما تبقى منه قد لا يكون مثل ما مضى. يواصل مرسى مفاجآته بتكريم اسم الرئيس الراحل أنور السادات بمنحه قلادة النيل ووسام نجمة الشرف تقديرًا لقراره ودوره البطولى بحرب أكتوبر.. كما كرم واحدًا من أبرز أبطال أكتوبر وهو الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس الأركان آنذاك، حيث منح اسمه وسام قلادة النيل. الشاذلى من أكثر القادة الذين ثار حولهم جدل واسع لم ينتهِ حتى اليوم، حيث نشب خلاف خلال الحرب بينه وبين السادات بشأن معالجة "الثغرة"، وكانت النتيجة هى خروجه من الخدمة، وتم استهدافه حتى غادر إلى الجزائر، وتواصل الاستهداف فى عهد مبارك حيث صدر حكم من القضاء العسكرى بحبسه إثر إدانته بتهمة إفشاء أسرار عسكرية عن حرب أكتوبر، قضى منها بضع سنوات فى السجن العسكرى قبل أن يصدر عفو رئاسى مشروط بعدم الحديث لوسائل الإعلام.. لليوم هناك من يعتبر الحل الذى طرحه الشاذلى للقضاء على "الثغرة" كان الأفضل، وهناك من يرى عكس ذلك، لكن فى المجمل فهو قائد كبير وله دور معروف فى بناء القوات المسلحة والاستعداد للحرب العظيمة والانتصار التاريخى فيها. فى ظنى أن السادات والشاذلى وهريدى ليسوا وحدهم من يستحقون التكريم بأثر رجعى، غالبًا هناك غيرهم تعرضوا لمظالم أو تهميش أو إهمال أو تعسف، وهناك وقائع عديدة تروى عن قيام مبارك بتصفية حسابات شخصية بعد توليه الرئاسة بحق قادة وضباط كانوا رؤساءه أو زملاءه، كانت قد جرت بينه وبينهم مواقف معينة خلال خدمته بالقوات المسلحة أسرها فى نفسه حتى صار فى موقع يتيح له الانتقام فنكل بهم، هؤلاء يجب البحث عنهم وتكريمهم سواء كانوا أحياء أم أمواتًا. يفعل اليوم الرئيس مرسى ما كان يجب أن يفعله الرئيس المخلوع، بل كان هو الأولى برد اعتبار وتقدير الشخصيات العسكرية التى خدمت الوطن وضحت لأجله لكنه لم يفعل، بل كان جاحدًا على أصحاب الفضل عليه أو من كانوا أجدر منه، فهو كقائد عسكرى يفترض أن يكون لديه إحساس بمشاعر زميله العسكرى عندما يكون مصيره عدم التقدير. قرارات مرسى بتكريم هؤلاء الثلاثة تكشف أنه من حق رئيس الجمهورية تكريم القادة الذين خرجوا من الخدمة ومازالوا على قيد الحياة، ومن حقه أيضًا تكريم أسماء الراحلين أيضًا، والسؤال هنا بخصوص السادات تحديدًا: لماذا لم يكرم مبارك اسمه؟، فهو صاحب الفضل الأكبر عليه حيث اختاره من بين كثيرين كانوا أفضل منه وعينه نائبًا له، ووجوده فى هذا المنصب الرفيع كان جواز مروره إلى قصر الحكم لمدة 30 عامًا.. هل هو جحود من مبارك تجاه السادات؟، أم أنه نهج الفراعنة وهو السعى لإخفاء إنجازات الحاكم الراحل حتى يتسيد الحاكم الجديد الصورة وحده؟، ويدعم ذلك أن الإعلام الرسمى كان ينفذ خطة منهجية لجعل مبارك هو بطل حرب أكتوبر من خلال التركيز على الضربة الجوية، وأنها أساس الانتصار، وهناك تزوير شهير لصورة السادات وحوله قادة القوات المسلحة وهم فى غرفة العمليات لمراجعة خطة الحرب قبل ساعة الصفر حيث حذفت صورة رئيس الأركان سعد الشاذلى ووضعت صورة مبارك بدلاً منها، وهو تزوير فاضح حيث إن رتبته كقائد للقوات الجوية لا تضعه بجوار السادات.. هناك كلام آخر جددته رقية - ابنة السادات- حول جحود مبارك تجاه والدها، وهو أن السادات كان قد كتب قرارًا بإقالة مبارك كنائب له وكان القرار فى حقيبته الخاصة وكان منتظرًا إعلانه بعد الانتهاء من العرض العسكرى يوم 6 أكتوبر لكن الاغتيال جاء إنقاذًا لمبارك، بل إن السيدة رقية تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بالمطالبة بفتح ملف الاغتيال، حيث تلمح إلى دور ما لمبارك فيما جرى. كما سيتم فتح ملف مقتل المشير عبد الحكيم عامر، لماذا لا يتم فتح ملف اغتيال السادات؟، وكذلك ملف هزيمة 67؟، وغيرها من الملفات المفصلية فى تاريخ مصر الحديث؛ حتى نعرف حقيقة ما حصل فى مصر خلال 60 عامًا من الحكم العسكرى.