بينما كان الملك فرناندو يعمل على توحيد ممالك أسبانيا الثلاثة ، وعلى رأسها مملكة قشطاله ، كانت الأندلس تتفكك إلى ممالك وإمارات متناحرة ، يتسلط عليها ملوك وأمراء من العرب والبربر. كان العرب يعادون العرب والبربر والعكس ، وكانوا يتحالفون مع الأسبان ضد بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن فتح الأندلس كان نتيجة مباشرة لتحالف موسى بن نصير العربي مع طارق بن زياد البربري ، شاءت الأقدار أن يكون إنهيارها نتيجة لفتنة باهظة الثمن بين الطرفين . كان للملك فرناندو ثلاثة أبناء هم سانكو وألفونسو وجارسيا. وكان ألفونسو هو أشدهم كراهية للعرب والمسلمين ، ويتحرق شوقا لإطلاق "حرب الاسترداد" ليسترد أراضي أجداده التي فتحها المسلمون لينشروا فيها حضارة الأندلس التي دامت ما يقرب من خمسة قرون ونشرت العلم والثقافة والإستنارة في جميع أنحاء أوربا. إن أجمل مافي رمضان هذا العام وكل عام هو المسلسلات السورية التاريخية.. هذه المسلسلات التي تفوقت بلا جدال على الغثاء والسفه الذي يبثه التلفزيون المصري من مسلسلات تافهة سطحية تصيب المشاهد بالتخلف العقلي. العام الماضي كان عام فلسطين ، حيث أخرج السوريون مسلسلين رائعين عن الاجتياح الصهيوني لفلسطين ونشوء مأساة اللاجئين ، وهما "التغريبة الفلسطينية" و "عائد إلى حيفا". العام الحالي هو عام الأندلس ، حيث تبث الفضائيات مسلسلي "المرابطون والأندلس" و "ملوك الطوائف" وهما مسلسلان يعرضان لمدى الفساد الخلقي والديني الذي إستشرى في ممالك الأندلس وأدي إلى سقوطها وإبادة مسلميها من عرب وبربر. كانت أكبر ممالك الأندلس هي إشبيليه وقرطبة وغرناطة وطليطله. وكان يحكمها ملوك مغرقين في اللذات بأنواعها ، وعلى رأسها الخمور والجواري . وكانوا يحيكون الدسائس والفتن لبعضهم البعض مطمئنين لعدوهم الأسباني المتربص بهم. وبعد أن كان الأسبان يدفعون الجزية لحاكم الأندلس ، صار ملك الأسبان هو الذي يأخذ الجزية من ملوكها. في زمن الطوائف لم يكن للأندلس صاحب، حيث كانت الأولوية القصوى لكل ملك هي تأمين عرشه بإرضاء القوة التي يخافونها ، وهم الأسبان. عندما قام المعتضد ملك إشبيليه بغزو أربعة إمارات صغيرة مجاورة وضمها إلى ملكه ، قرر فرناندو ملك إسبانيا مضاعفة الجزية المفروضة عليه ، وأرسل له رسالة بقبول ذلك ، وإلا أرسل إلى إشبيليه جيشا يغتصب منه ملكها. رضخ المعتضد للإهانة ودفع الجزية المطلوبة بانتزاعها من أقوات وأرزاق الفقراء ، مبررا ذلك بأنه " ثمن قليل مقابل إعتراف ملك أسبانيا بملكه على إشبيليه." (اليوم هي أمنية كل حاكم عربي أن تعترف به أميركا على عرش بلده مقابل أن يقدم لها ما تأمر به). وعندما تسلم فرناندو الجزية المطلوبة أمر إبنه ألفونسو باستخدام هذه الأموال لتجهيز "جيش الاسترداد" الذي سيقوم بغزو الأندلس.. تماما كما يستحوذ صهاينة أميركا اليوم في بنوكهم على بلايين العرب لإمداد إسرائيل بما تشاء من أسلحة. أما لماذا عنونت المقال "مصر والأندلس" وليس "العرب والأندلس" فلأن مصر هي المسئول الأول بحكم ثقلها الجغرافي والتاريخي والثقافي والفكري عن فرقة وتشتت العرب والمسلمين وتفسخهم الخلقي والديني والثقافي ، وما بها من مسئولين ينطبق عليهم ما قاله شاعر الأندلس إبن زيدون ، وهو يسخر من أحد الوزراء في مملكة غرناطه: لا أنت في حرب ولا في سياسة ولا في علم ولا في أدب ولا وزارتك إلا أعظم دليل على فساد الزمان وإنحطاط الأحوال وسوء التقدير والنظر والتدبير زمن رفع الصغير والحط من الكبير والجهل بالرجال إبحثوا عن الطاغية .. فهو كالغراب يدل على الخراب في ممالك مضت وأخرى حاضرة. [email protected]