فى تمام الساعة العاشرة من صباح مثل هذا اليوم عام 1985، أغارت ست طائرات عسكرية صهيونية مخترقة المجال الجوى التونسى، وألقت بقنابلها على منطقة حمام الشاطئ بتونس العاصمة حيث مقر منظمة التحرير الفلسطينية، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان صيف عام 1982. وجاءت حصيلة الغارة الصهيونية ثقيلة، حيث امتزج أثناءها الدم التونسى والفلسطينى، وحسب التقرير الرسمى للسلطة التونسية إلى الأمين العام للأمم المتحدة - أدت تلك الغارة إلى سقوط العديد من الشهداء التونسيين والفلسطينيين فاستشهد 50 فلسطينيًا و18 مواطنًا تونسيًا وجرح 28 شخصًا إلى جانب خسائر مادية قدرت بنحو 8,5 ملايين دولار، وعرفت هذه العملية باسم "الساق الخشبية". وأعلن الكيان الصهيونى رسميًا مسئوليته عن تلك الغارة الوحشية فور وقوعها، وأعلن أنه قام بها فى إطار حق الدفاع عن النفس, بينما بقى الإعلام التونسى يردد أنها "طائرات مجهولة"!!. لقد روت دماء الشهداء أرض تونس الخضراء، وساهمت فى فضح وتعرية النظام، وفيما بعد جزء من العملاء والخونة المتورطين بصفة مباشرة، والذين باعوا أنفسهم للكيان الصهيونى من أمثال أحمد بنور وغيره. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد اتخذت قرارًا فى نهاية صيف 1985، بتصفية القيادة الفلسطينية من خلال ضربة تنفذها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وتكلفت قيادة سلاح الجو الإسرائيلى بالإعداد للتنفيذ، وتمكنت من الحصول على صور أقمار صناعية دقيقة من خلال محلل فى المخابرات العسكرية الأمريكية "جوناثان بولارد"، وبعد إعداد سلاح الجو الإسرائيلى لخطته المحكمة بقصف منطقة حمام الشط، بدأت مهمة العملاء بتحديد الموعد الذى يُمَكِّن من اصطياد القيادة الفلسطينية مرة واحدة. وفى نهاية سبتمبر 1985 دعا الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات القيادة العسكرية لعقد اجتماع بتونس، وتحدد الموعد يوم الأول من أكتوبر، وبدأ أعضاء هذه القيادة من كبار الضباط يتوافدون على تونس، وعندما علم العملاء هذه المعلومات قاموا بإبلاغها إلى إسرائيل، عن طريق جهاز إرسال عالى الدقة بحجم ولاعة السجائر زودتهم به المخابرات الإسرائيلية. ليلة الثلاثين من سبتمبر 1985، كان ياسر عرفات فى منطقة حمام الشط، أى قضى ليلته هناك وخرج صباح الأول من أكتوبر يتمشى على شاطئ البحر، وفى الساعة التاسعة أبلغه مدير مكتبه العسكرى بتأجيل الاجتماع لأن عددًا من كبار الضباط لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية، مما حتم تأجيل الاجتماع للمساء. حوالى الساعة التاسعة والنصف صباحًا، غادر الرئيس ياسر عرفات منطقة حمام الشط متجهاً إلى منطقة رادسجنوب العاصمة التونسية؛ لتقديم التعازى إلى عائلة وزير الدفاع التونسى الأسبق عبد الله فرحات، والذى توفى قبل أيام، أى أن القدر رتب الحوادث هكذا لأن عرفات لم تأتِ ساعته بعد. فى العاشرة تمامًا أى بعد نصف ساعة من موعد عقد اجتماع القيادة العسكرية الفلسطينية، انهالت ستة صواريخ على مقر قيادة الأركان الفلسطينية، والتى كانت تستأجر منزلاً فى منطقة حمام الشط، فأزالته تمامًا عن الوجود، وهذا المقر كان سيحتضن اجتماع القيادة العسكرية الفلسطينية، كما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر ياسر عرفات ومكتبه والمقر الخاص بحراساته. عملية الغارة على حمام الشط كانت أكبر ضربة تلقتها منظمة التحرير الفلسطينية، فلو كانت قد نجحت فى تحقيق أهدافها لأزالت كل القيادة العسكرية الفلسطينية عن الوجود دفعة واحدة. فى اليوم الثانى للغارة، اختفى الصيدلى اليهودى من منطقة حمام الأنف، حيث غادر تونس إلى أحد العواصم الأوروبية، وكان المقصود بهذه العملية أن يقوم جهاز المخابرات الإسرائيلى الموساد بتحويل الأنظار عن المجموعة الحقيقية التى تعمل معه ويتزعمها أحمد بنور، ويساعده سليم بقة، الذى كان فى تلك الفترة طالبًا فى معهد الصحافة بتونس. وسقط فى هذه الغارة سبعون شهيدًا من فلسطينيين وتونسيين، روت دماؤهم الطاهرة أرض تونس الخضراء، وفضحت وعرت فيما بعد العملاء والخونة الذين باعوا أنفسهم لإسرائيل أحمد بنور وسليم بقة، عليهم الخزى والعار أبد الدهر.