ميجيل دي ثيربانتِس سابيدرا (سيرفانتس)، أحد أبرز الأدباء الإسبان فى القرن السابع عشر الميلادى، ولد فى مثل هذا اليوم عام 1547م فى قرطبة بإسبانيا، وهو ابن لصيدلى جراح فقير الحال أمضى طفولته متنقلاً هنا وهناك فى إسبانيا. اشتهر بروايته "دون كيشوت" التى نشرت عام 1605، وهى شخصية مغامرة حالمة تصدر عنها قرارات لاعقلانية، ويُعتبر سيرفانتس من بين أشهر الشخصيات الإسبانية فى العالم، وقد كرمته بلاده فوضعت صورته على قطعة ال50 سنتًا الجديدة. كانت حياته حافلة بالأحداث والمغامرات، فقد شارك فى معركة "ليبنتى" البحرية ضد العثمانيين، وفقد على أثرها إحدى ذراعيه، فلقِب ب"أكتع ليبنتى"، إلا أن ذلك لم يكن ليثنى عزمه عن المغامرة من جديد، غير أن حظه العاثر قاده إلى الأسر فى إحدى تحرشات الأسطول الإسبانى على مدينة الجزائر بعد أن تم القبض عليه فى ضواحي المدينة من طرف جنود سلطان الجزائر، وأمضى خمسة أعوام فى سجون مدينة الجزائر لم يخرج منها إلا بعد أن تم دفع فديته وعاد إلى إسبانيا. كانت حياته شاقة وصعبة بحيث إن الديون أثقلت كاهله مما اضطره إلى الاستدانة طيلة الوقت وسجن أكثر من مرة لعجزه عن تسديد ديونه. اختار بداية من عام 1587 الاستقرار فى أشبيلية، أثناء توليه مهمة الإشراف على تموين الأسطول الإسبانى (الأرمادا) ثم كان أن أفلس البنك الذى كان يضع فيه الودائع المالية عام 1597، فدخل "سيرفانتس" فى السجن مجددًا، واستلهم أثناء فترة سجنه شخصية "دون كيشوت". قضى معظم حياته فى العصر الذهبى فى إسبانيا عندما كانت سفنها غنية ويتكلم المثقفون لغتها وأدبها معروف فى أنحاء أوروبا لكنه لم يذق طعم الازدهار والرخاء وتوفى فى 23 إبريل عام 1616، مات فقيرًا معدمًا ولم يتذوق طعم الشهرة التى نالها بعدئذ. "دون كيشوت" هى واحدة من أشهر الروايات العالمية، وترجمت لأغلب لغات العالم، ولا يوجد مثقف أو نصف مثقف لم يقرأ هذه الرواية الممتعة ذات المعانى العميقة، وبطلها "دون كيشوت" هو رجل نحيف طويل قد ناهز الخمسين، متوسط الحال يعيش فى إحدى قرى إسبانيا فى إقليم لا منتشا الإسبانى إبان القرن السادس عشر، لم يتزوج من كثرة قراءاته فى كتب الفروسية كاد يفقد عقله وينقطع ما بينه وبين الحياة الواقعية، ثم يبلغ به الهوس حداً يجعله بفكر فى أن يعيد دور الفرسان الجوالين وذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون فى الأرض ويخرجون لكى ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل واليتامى والمساكين. فأعد عدته للخروج بأن استخرج من ركن خفى بمنزله سلاحًا قديماً متآكلاً خلفه له آباؤه فأصلح من أمره ما استطاع، وأضفى على نفسه درعاً، ولبس خوذة وحمل رمحاً وسيفاً وركب حصاناً أعجف هزيلاً، وبدأ رحلاته متجولاً برفقة فلاح بسيط من جيرانه يدعى "سانشو بانثا"، معتقدًا أن من واجبه محاربة الظلم والظلام فى كافة بقاع الأرض، كان سانشو بانثا ضخم الجثة بعكس صاحبه دون كيخوتى الطويل الهزيل، وتنشأ المفارقات المضحكة ابتداء بمنظر الرجلين ثم تستمر على طوال هذه الرواية الكوميدية ذات الأسلوب الجميل والخفيف. حديث دون كيخوت مع سانتشو، المؤمن بالفروسية والخادم الشكاك، من أكثر الحوارات سحراً فى الأدب، أشبه بالنظرية وعكسها، فنرى دون كيشوت فى الجزء الأول من الرواية كمبدع فانتازى حقيقى أُتخم من قراءة نصوصٍ قديمة عفنة، فينطلق ليسن قوانين الفروسية من جديد، ليدافع عن العدالة والحب فى عالمٍ آثم، يقاتل طواحين الهواء، النعاج وبنات صاحب الخان، ويوشك على مصارعة الأسود، ويقطع رؤوس الدمى على أنهم جنود (!!)، وأمور غريبة لا يمكن أن تصدر عن شخص عاقل، لكنها تحمل معانى ودلالات عظيمة.