ربّى نبى الأنام رسولنا الأعظم محمد(صلى الله عليه وسلم) الذى أسىء إليه كثيرًا- أصحابه وأتباعه على الوسطية والاعتدال والتسامح؛ فى دين هو واسطة عقد الرسالات السماوية؛ واتخذ الإسلام من هذه الوسطية القيمة والقامة والمكانة والمنهج الحق المبين, ورفض نعرات التعصب والكراهية والغلو والتطرف والإرهاب، حتى إن كانت دفاعًا عن رسول الأنام عليه السلام؛ وتلك حقيقة ليست اختراعًا ولا ابتكارًا أو استنباطًا، تفتّق عنه أذهان العلماء أو استقراءً لجماعة من المفسرين والشّرَّاح أو تجليات لأحد الدراويش, إنما هو أمر نصى، أكّد عليه القرآن الكريم واضحًا جليًا ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس﴾، هذه الوسطية إنما تعنى العدل؛ والمعنى: أن المتوسط فى الأخلاق يكون بعيدًا عن طرفى النقيض: الإفراط والتفريط فكان معتدلاً فاضلاً؛ لذلك فالمسلم إما أن يكون وسطيًا، عادلاً، أو لا يكون؛ دون أن يتزحزح عن هذه الوسطية، وتلك العدالة، لا إلى اليمين ولا إلى اليسار. وبالرغم مما ساءنا جميعًا من إقدام بعض الموتورين، والسفهاء والحمقى والمضللين، جهلاً أو تعمّدًا أو تواطؤًا بالتطاول على رسولنا الأعظم، محمد(صلى الله عليه وسلم)؛ فقد ساءنا كذلك وأشد ما أسفرت عنه الاحتجاجات التى لا يمكن لكائن من كان أن يتجاهل غضبهم ومعهم أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم، يوقرون ويجلون ويعظّمون نبيهم، وموجات الجماهير الغاضبة التى تملأ الطرق والميادين فى بلادنا، ووقفات الاحتجاج والاستنكار أمام المؤسسات والهيئات المحلية والدولية التى ما زالت متواصلة، للشريط المسىء والرسوم المسيئة للرسول الكريم؛ فهذا هو الأمر الطبيعى فى النصرة الذاتية، وألا يكون موقفه المناصر لنبيه ورسوله(صلى الله عليه وسلم) محايدًا أو متفرجًا، أو مترددًا وكأن الإساءة إلى رسول الأنام أمرٌ لا يعنيه من قريب أو بعيد، فمن صميم وأصل هذا الدين من بلغه مثل هذه الإساءة، ولم يتحرّك قلبه، أو يحدّث نفسه بالغيرة والتأثر والانفعال والحب لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)؛ عليه أن يراجع إيمانه بالله وبرسوله؛ لأنه يخص أصل الإيمان ومقياس القرب من الله تعالى. هذه الأحداث المسيئة لرسول الأنام، لن تتوقّف وستتكرر دائمًا، ويبقى مهمًا ترشيد ردود أفعالنا كأتباع لخير الأنام، الذى بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين؛ لنستثمر هذا الغضب مستقبلاً ليكون غضبًا إيجابيًا محمودًا، لا بإطلاق الحناجر والصياح والصراخ وحرق السفارات، وقتل المعاهدين والمستأمنين إنما الواجب هو أجلُّ وأكبر من مثل هذه الاستفزازات المسيئة لنا كمسلمين وبقدر مقام وحب رسول الله فى قلوبنا؛ وليكن معلّمنا فى ذلك معاملته للمسيئين(صلى الله عليه وسلم) إليه. واجبنا لنصرة الرسول، أن نحوّل هذه الطاقة المستفزة لدينا بإيجابية، وتعريف هؤلاء الموتورين برسالته الخاتمة للعالمين، وإنتاج البرامج لهؤلاء المستهزئين؛ وإقامة الندوات والحوارات التليفزيونية التى توضح بجلاء منهجه القويم، فى الالتزام بمكارم الأخلاق وانتهاج الوسطية والاعتدال وإبراز فضائله؛ وتوضيح كيف تعامل(صلى الله عليه وسلم)مع الُمعَاهَدين، والمستأمنين؛ وكذا آدابه(صلى الله عليه وسلم)وأخلاقه فى التعامل مع غير المسلمين فى السلم والحرب، وحرصه على الشيوخ والأطفال والنساء وغير ذوى القرار حتى الرهبان فى الصوامع؛ وغيرها من الموضوعات والقضايا التى تستميل القلوب والعقول، لا استعدائها وتلك هى رسالتنا ووسطيتنا التى حبانا الله تعالى بها. ورائدنا فى ذلك مواقف النبى فى التعامل مع صنوف الإساءة والاعتداء والشتم والتشويه والتحريض، والتعامل مع حالات الإساءة بإيجابية، لا أن نترك مسألتها هكذا فوضى المتنطعين، والمتطرفين دون ضابط أو رابط!، وإلاَّ فقد كفانا الله تعالى مؤونة ذلك حينما نقف مبهورين بقوله تعالى فى حق نبى الأنام عليه السلام: ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾؛ وقوله تعالى: ﴿فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم﴾. همسة: اللهم صلِّ وسلِّم على مَنْ وصفته: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.