أدلي صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري بحديث إلي صحيفة الأهرام حول ما يجري داخل المؤسسات الصحفية قال فيه إنه ليس من المصلحة أن يفقد المواطن الثقة في الصحافة المصرية والهدف من ذلك ألا تنتقد الصحافة المصرية بكلمة واحدة حرصاً علي ثقة المصريين بصحافتهم، والنتيجة ألا تتكلم عن عيوب والافرازات الاخيرة في صحافة مصر بل لا ينتقد أحد الصناعة أو التجارة أو الزراعة حرصاً علي ثقة المواطن! منذ سنوات رفض مظلوم باشا رئيس مجلس النواب أن يوجه الدعوة لصحيفة السياسة لحضور مندوب عنها جلسة افتتاح البرلمان. يومها كتبت صحيفة السياسة مقالاً يدرس في كليات الصحافة والإعلام في مصر قالت فيه إن »مظلوم« لم يوقع كتاب حرمان مندوب السياسة ولم يأمر بهذا الحرمان بل طلب إليه أن يوقع الكتاب فوقعه. وكان عنوان المقال »مظلوم.. ومن مظلوم«. أما مندوب صحيفة السياسة فكان توفيق دياب الذي صار من كبار كتاب وصحفيي مصر الذي أصدر جريدة الجهاد، ووصفه الدكتور يونان لبيب في كتاب رائع عنه عنوانه »الفارس النبيل«. وقد اخترت هذا المقال ليكون بداية تعليقي علي ما نشرته الأهرام. قال صفوت الشريف إن مجلس الشوري بادر بتشكيل مجالس إدارات الصحف. ورئيس مجلس الشوري هو الذي يوقع قرار التشكيل. وهنا يمكن أن نقتبس من حكاية مظلوم باشا. إن صفوت الشريف لا يصدر قرارات تشكيل مجالس إدارات الصحف بل هو يوقع فقط هذه القرارات. فالرجل رئيس مجلس الشوري يطلب إليه أن يوقع فتوقع. وصفوت الشريف، علي هذا الأساس يمكن أن نسميه صفوت مظلوم أو مظلوم الشريف. ونعرف جميعاً أنه من حسن الحظ أن الذي يصدر قرارات تشكيل مجالس الصحف سلطة أعلي. ونحن نرحب بذلك. إن مجلس الشوري ينظم العملية فقط وينسقها. ولو كان المجلس هو الذي يختار فيجب أن نحاسبه علي اختيار المجالس التي تغيرت أو ابدلت أو فصل ورفت أعضاؤها. ويجب أن نحاسب مجلس الشوري ورئيسه علي أنه أبقي المجالس المنحلة سنين وسنين طويلة مما ساعد رؤساءها علي أن يغترفوا من أموال المؤسسات ما يشأون وتركوا المؤسسات مدينة، بحيث إن رؤساءها الجدد غارقون في الديون يبحثون عن وسائل سدادها. *** وقال صفوت الشريف إن القرار داخل المؤسسة الصحفية يجب أن يكون جماعياً ولا يكون هناك انفراد بالسلطة. وهذا القول مجرد شعار. إن قانون الصحافة يجعل السلطة الكاملة في يد رئيس مجلس الإدارة. وإذا جمع هذا الرئيس بين الإدارة والتحرير فإنه يستطيع معاتبة من يتحداه من الإداريين ومن الصحفيين. وقد رأينا في إحدي المؤسسات الصحفية أن رئيس مجلس الإدارة منع ستة من نوابه وكبار الصحفيين العاملين في الصحيفة الكبري التي تصدرها المؤسسة من الكتابة لأنهم شكوه للنائب العام لأنه يبيع أصول المؤسسة بطريقة فيها شبهات. وأقول شبهات ولا أضيف. وحرم الصحفيون الستة من العلاوات. وبقي قرار المنع والحرمان قائماً للبعض مدة تزيد علي 3 أعوام. وشكا الجميع إلي مجلس الشوري فتوسط المجلس لصرف مرتبات الصحفيين فحسب. أما المنع من الكتابة فاستمر طيلة السنوات الثلاث. والنتيجة أن حكاية الديمقراطية داخل المؤسسات الصحفية لا وجود لها في ظل القانون الحالي. وصفوت المظلوم يعرف هذا كله ويعرف أن الخطوة الأولي في إصلاح الأوضاع في المؤسسات الصحفية هي تعديل قانون الصحافة الحالي. القانون الحالي يقول إن مجلس مظلوم يعين ستة من أعضاء مجلس الإدارة وينتخب الستة الآخرين. والمعينون غير رئيس مجلس الإدارة. وهذا يعني أن المنتخبين الستة بفرض أنهم اجمعوا علي رأي بأن السبعة الآخرين يفوزون عليهم في أي تصويت. وكان الأمل أن يقول مظلم إنه سيقترح تعديل قانون الصحافة لتتحقق الديمقراطية داخل كل مؤسسة صحفية. ولكن صفوت الشريف تجاهل هذه النقطة الأساسية فتعديل القانون يخرج عن نطاق مهمته مع أن مجلس الشوري هو الذي يجب أن يبدأ بنظر تعديل قانون سلطة الصحافة باعتباره من القوانين المكملة للدستور. *** فيما نشرته »الأهرام« قال رئيس مجلس الشوري إنه ليس مطلوباً أن تكون هناك وزارة لشئون الصحافة. ولم يقل ولم يطالب أحد للمجلس بوزارة كما كان الحال عندما كان رئيس مجلس الشوري وزيراً للإعلام حوالي لعشرين عاماً. ولكن المطلوب من المجلس أو كان المطلوب من المجلس بصفته المالك للصحف أن يهتم بما يملك وأن يدير ممتلكاته وألا يترك من فوضهم أو انتدبهم أو انتدبوا واختيروا لإدارة الصحف يعبثون بأموالها وأن تتحول هذه الأموال إلي جيوب رؤساء مجالس الإدارة أو بعضهم ويبنون بها قصورا يدعي إليها رئيس مجلس الشوري أحياناً أو يدعي إلي خيام رمضان التي تقام بأموال المؤسسات الصحفية. والسؤال المطروح: لماذا نشأت الديون في عهد بعض رؤساء مجالس الإدارات المنحلة، وكانت الصحف قبل ذلك خالية من الديون. والجواب: ربما كانت المدة الطويلة التي بقي خلالها هؤلاء الرؤساء في مناصبهم، أو ربما كان إحساس هؤلاء أو ثقتهم بأن مجلس الشوري يغض الطرف عن تصرفاتهم وحماية رئيس مجلس الشوري لهم بعد اعتزالهم المناصب هو السبب الذي جعل تصرفاتهم وأعمالهم المالية أو إهمالهم المالي أو لنقل دفعهم لاستغلال أموال المؤسسات. *** وفي حديث »الأهرام« أن جهاز المحاسبات يكثف جهوده الآن لبحث أمور عديدة. ونتوقف عند كلمة واحدة وهي أن الجهاز يكثف جهوده الآن، ونتساءل لماذا لم يكثف الجهاز جهوده خلال السنوات الطويلة الماضية لبحث ما يجري في هذه المؤسسات. أليس السبب في هذه الهمة أو الحماسة المفاجئة الآن راجعاً إلي ما نشرته بعض الصحف حول تصرفات رؤساء مجالس الإدارة ومرتباتهم الاسطورية. ومعروف أن مرتب أحد رؤساء مجالس الإدارة أو أكثر من رئيس مجلس إدارة كان يفوق كل أعضاء مجلس وزراء مصر مجتمعين. *** قال رئيس مجلس الشوري: أنا لست جهة تنفيذية ولست جهة جنائية، ومثل هذه الأمور يراجعها جهاز المحاسبات ويقدم تقاريره عنده. ومعني ذلك أن مجلس الشوري ليس مختصاً بشيء في هذه القضية. من إذن المعني بالأمر؟! مجلس الشوري هو المالك. ومن حق المالك صيانة أمواله والمحافظة عليها. وهي ليست أمواله بل هي أموال الشعب ويجب أن يكون رئيس المجلس أحرص علي أموال الشعب من أمواله الخاصة ومن أموال مجلس الشوري نفسه. والمالك من حقه إذا أحس بشبهة حول تصرفات وكلائه أو مفوضيه أو موظفيه أن يحقق في الأمر، ولا يوجد ما يمنعه من ذلك. والقانون يعطي مجلس الشوري الحق في إبلاغ النائب العام بالقضية ليتولي التحقيق فيها. وقد اكتفي رئيس مجلس الشوري أن يقول بأنه ليس من حقه أن يراجع قرارات رؤساء التحرير الذين سافروا إلي الخارج فترات طويلة وحصلوا علي بدلات سفر مبالغ فيها. هنا لا بد من وقفة. عندما يصل بدل السفر إلي ربع مليون دولار في السنة لشخص واحد ألا يثير ذلك الدهشة أو يدعو إلي التساؤل أو يحفز مجلس الشوري إلي التحقيق أو يجعل المجلس، يبحث هذه القضية ويعلنها علي الناس ليبين الحقيقة. ومع ذلك فإن حكاية بدل السفر هي القضية الثانية أو الاتهام الثاني أما الاتهام الأول فهو: هل من حق رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية أن يمنح نفسه مرتباً خيالياً وأن يعطي لنفسه عمولات عن توزيع الصحف وإعلاناتها؟ وماذا لو وصل الأمر إلي أن يبلغ المرتب والعمولات مئات الألوف من الجنيهات. وماذا لو أن رؤساء مجالس الإدارة السابقين لم يحصلوا علي هذه المرتبات والعمولات، بل إن الرؤساء المعزولين هم وحدهم الذين انفردوا بهذه الصفقات!! *** سئل رئيس مجلس الشوري في حديث للأهرام: هل هناك ملفات فساد بالفعل داخل المؤسسات الصحفية؟ أجاب: هذا أمر سوف تحسمه الجهات المعنية. ولم يقل أو لم يحدد الجهات المعنية مع أنه من السهل تحديدها النائب العام. ومادامت الأمور علي حالها ساكنة ولم يتم تحويلها إلي النائب العام، فمعني ذلك أن حديث رئيس مجلس الشوري يكفي لوقف الحملات الصحفية وذلك حتي نري ما فعلته أو ما ستفعله الجهات المعنية. *** إن رئيس مجلس الشوري أبدي تفاؤله بقدرات القيادات الصحفية الجديدة. ونحن معه في هذا التفاؤل وربما أكثر منه تفاؤلاً، ولكن السؤال المحير هو: لماذا تأخر تعيين القيادات الصحفية، ولماذا بقي الرؤساء القدامي كل هذه السنين؟ في حديث الأهرام أن التغيير سنة الحياة والأجيال تتواصل ويوجد دائماً من يسلم الراية ومن يتسلم الراية. وهذا شعار جميل ولكن لماذا والتغيير سنة الحياة، بقاء رؤساء هناك شك في استغلالهم لمناصبهم ومع ذلك ظلوا سنين وسنين. وبعد... فالقضية ليست بين صحافة مصر ورئيس مجلس الشوري، القضية بين صحافة مصر والذين استغلوا صحافة مصر لحسابهم. إن رئيس مجلس الشوري قال: لا أقبل علي الاطلاق أن أكون متفرجاً، وحينما أجد أمامي خطأ لابد أن اتحدث. ولكن صفوت مظلوم تحدث ولم يقل شيئاً وليته يتكلم، فنحن لا نعرف ماذا فعل، وماذا سيفعل إزاء ما جري لصحافة مصر خلال السنوات الأخيرة. ----------------------------------------------- صحيفة الوفد