تمثل المفارقة Paradox إحدى الظواهر الأسلوبية التي يستند إليها العمل الأدبي للحد الذي جعل الناقد الأمريكي كلينث بروكس Cleanth Brooks أحد مؤسسي النقد الحديث Modern Criticism يعتبر المفارقة هي البنية الأساسية الشعر The very structure of poetry ، وعلى الرغم من اختلاف عدد من النقاد مع ما ذهب ‘ليه بروكس متجاهلا قيمة الخيال imagination في منح الشعر طاقة إبداعية ، فإن الجميع يتفق على أهمية المفارقة في الشعر و العمل الأدبي بشكل عام . ومن الطرائف في اعتراضات النقاد على بروكس ما قاله آر . إس كرين R.S Crane بأنه وفقا لهذا المفهوم فإن معادلة أينشتاين الشهيرة E=MC^2 هي أعظم قصيدة شعر لأنها تتضمن أعظم مفارقة على الإطلاق و هي مفارقة أن المادة و الطاقة شيء واحد .و كعادة النقاد و العلماء الغربيين فإنهم يبحثون عن الجذور اليونانية لأي فكرة علمية أو فلسفية أو أدبية عن معنى المفارقة و دلالاتها ..ويعود بعضهم إلى كتاب المحاورة لأفلاطون عند الحديث عن المفارقة التي تحمل طابعا تهكميا أو ساخرا Irony كما يستخدم بعضهم مصطلح المفارقة السقراطية Socratic Irony وهو النوع الذي كان يستخدمه سقراط في نقاشاته حيث كان (يتظاهر) بجهله من أجل استدراج الخصم و تفنيد حججه . وبهذا المفهوم نستطيع أن نعتبر أن النبي إبراهيم في محاورته لقومه عن الرب أو الإله الحق في قوله تعالي فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ، قال هذا ربي .. ثم القمر ..وكذلك الشمس ..يمكن اعتبار إبراهيم –وفقا لبعض التفاسير أنه كان يتظاهر بعدم المعرفة من أجل تفنيد حجج الخصم . و بعيدا عن الخلاف حول مصطلحي paradox أو Ironyيقسم النقاد المفارقة إلى عدة أقسام منها المفارقة اللفظية Verbal ومفارقة الموقف situational و المفارقة الدرامية Dramatic ، وهناك أقسام أخرى كثيرة لن نتعرض لها . وعلى الرغم من أن النقاد العرب القدماء لم يستخدموا مصطلح المفارقة ، فإنهم عرفوا المدلول ذاته ولكن باستخدام مصطلحات أخرى مثل الطباق و التضاد و المدح بما يشبه الذم و الذم بما يشبه المدح و بعض صور التورية . وبالتأمل في النص القرآني فإننا نجد أن القرآن قد استخدم كثيرا من صور المفارقة ، ولكننا سوف نركز على نوعين اثنين فقط وهما المفارقة اللفظية Verbal والمفارقة الدرامية Dramatic . من أشهر أنواع المفارقة اللفظية قوله تعالى في سورة الدخان عن الأثيم الذي يذوق عذاب الجحيم : ذق إنك أنت العزيز الكريم و من الواضح أن المعنى الظاهري surface meaning كما يقول النقاد يتعارض مع المعنى العميق أو الكامن ، Underlying meaning وهو أحد صور التهكم أو السخرية . ومن أنواع المفارقة الأخرى التي وردت في القرآن الكريم المفارقة الدرامية و هي التي يكون فيها الجمهور على دراية بحقيقة الموقف في الوقت الذي يجهله أبطال القصة أو الموقف أنفسهم . ومن أشهر أنواع المفارقة الدرامية في القرآن موقفان أحدهما في سورة القلم حيث أراد أصحاب الجنة أن يحصدوا محصولهم قبل دخول المساكين عليهم ، فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ، فأصبح الجمهور أو القراء على دراية بالحدث فيما كان أصحاب الجنة يخططون و يتسللون فجرا دون أن يشعر بهم أحد . و الموقف الثاني ما حدث في سورة يوسف عليه السلام عندما جاء إخوته أباهم عشاءا يبكون ، حيث تظاهروا بأن الذئب قد أكل يوسف ، و الجمهور يعرف أن ذلك محض كذب لكن يعقوب أحد أبطال الموقف هنا لا يعرف تفاصيل تلك المكيدة . لكن شيئا مهما لم يلتفت إليه بعض النقاد وهم يشيرون إلى ذلك النوع من المفارقة في سور القرآن ، وهو شعور الجمهور في ذلك النوع من المفارقة الدرامية ، هل هو شعور ثابت ، أم متغير تبعا لطبيعة الموقف الدرامي ؟ ففي سورة القلم سوف نجد أن الدشعور المتولد هو الشفقة و السخرية من أصحاب الجنة ، بينما الشعور المتولد في سورة يوسف هو الاحتقار و الغيظ من تلك المكيدة التي دبرها إخوة يوسف . و على الرغم من بعض الدراسات الجادة التي قدمت عن المفارقة في القرآن فإن المجال لا يزال مفتوحا أمام الدارسين للوقف أم قيمة المفارقة في النص القرآني .