على الرغم من وجود نظريات متعددة حول الرأسمالية الغربية على مستوى التعريف والنشأة والتطور ، فإذا كان البعض يعرف الرأسمالية بأنها (مجرد ربا يهودي) Jewish Usury باعتبار أن البنوك أو المصارف أحد أهم مظاهر الرأسمالية ، فإن البعض الآخر يرى أنها (أي الرأسمالية) إفراز طبيعي و منطقي للعلاقات الاجتماعية و الاقتصادية بين الأفراد. وعلى الرغم من تحريم التوراة للربا على بني إسرائيل ، فإن كتاب التلمود قد أجازوا التعامل به و بخاصة مع غير اليهود .وقد اقترن الربا باليهود في أوروبا بشكل سلبي حتى إن الأدبباء ومنهم وليم شكسبير كتب قصة تاجر البندقية The merchant of Venice التي تتناول قصة المرابي اليهودي شيلوك و قسوته في التعامل مع الناس . وقد جعل الأديب الإيطالي دانتي المرابين في الدائرة السابعة من الجحيم . ومع ذلك فعلاقة اليهود بالرأسمالية و السيطرة على اقتصاد العالم أمر معروف . وقد صدر كتاب بعنوان الرأسمالية و اليهود Capitalism and the Jews لجيري مولر يقدم فيه وجهات نظر مختلفة عن أثر الثقافة اليهودية في تطور الفكر الاقتصادي اليهودي بين المذاهب الاقتصادية المختلفة ..وعلى الرغم من دراسات آدم سميث المبكرة ومصطلحه الشهير اليد الخفية أو غير المنظورة Invisible hand ، ودراسات كارل ماركس التي تركز على جدلية الصراع بين الطبقات الاجتماعية ، فإن الشيء اللافت للنظر ، هو أن ثمة فرضيات و نظريات أخرى استطاعت أن تحتل مكانا بارزا بين النظريات السائدة عن نشأة و تطور الرأسمالية الغربية ، ومن هذه الفرضيات فرضية الفيلسوف و الاقتصادي الألماني ماكس فيبر Max Weber (1864-1920) عن دور البروتستانتية في تشكيل الرأسمالية الغربية .تلك الفرضية التي تضمنها كتابه الشهير The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism(الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ).لم تكن العلاقة بين البروتستانتية و الرأسمالية وفق منظور فيبر مجرد تشابه في البنية المؤسسية، لكنه استطاع أن( يطوع) بعض أفكار البروتستانتية الكلفانية Calvinist Protestantism للتدليل على أنها كانت مقدمات لبروز فكرة الرأسمالية. وكان انحياز فيبر واضحا للربط بين البروتستانتية تحديدا وبين النجاح و التفوق في العمل . وكان يعتبر أن فكرة المصير المسبق أو القضاء و القدر predestination والتي تعني أن الله قد حدد مسبقا من يستحق الخلاص و من يستحق اللعنة هي إحدى القوى المحركة للرأسمالية ، فالفقراء هم مجموعة من الفاشلين في هذا العالم المادي ، وهذا دليل على أنهم سيكونون ملعونين في الحياة الأخرى ، أما الأثرياء الذين استطاعوا أن يكونوا الثروات في هذا العالم ، فإن ذلك علامة على أنهم يستحقون الخلاص في الآخرة . وفيبر استطاع بذلك أن يوضح كيف تم تغيير بعض المفاهيم السائدة في المسيحية لتبرير الفكرة الرأسمالية. لقد أصبح الربح و الثراء و النجاح المادي علامة على النجاح الروحي و التوفيق الإلهي.. وقد اعتبر فيبر أن تلك المفاهيم الجديدة في حركة الإصلاح البروتستانتية ، استطاعت أن تفتت النظام الاقتصادي التقليدي . كما لخص فيبر ما يسمى بالقيم الأخلاقية للديانة البروتستانتية و التي اعتبرها هي التي ألهمت روح الرأسمالية الغربية . ومع ذلك فهو لا يرى أن الدين هو العامل الوحيد في تشكيل الرأسمالية الغربية ، ولكنه أحد العوامل المهمة في نشأتها و تطورها .و من ناحية أخرى فهو لم يغفل تأثير الرأسمالية على الدين أيضا. ومنذ نشر كتاب فيبر عام 1904 و الجدل حول فرضيته لا يتوقف بين علماء الاجتماع و المؤرخين بين مؤيد ومعارض كشأن النظريات والفرضيات الغربية. لكن الشيء المتفق عليه فيما بينهم أن الرأسمالية هي منتج غربي نشأ في سياق الفكر و الثقافة الغربية و هي النموذج المطبق في أكثر دول العالم رغم القسوة الشديدة في طبيعتها البنيوية ، فهل يستطيع العالم إيجاد منظومة اقتصادية بديلة أقل قسوة و توحشا ؟