لا شك أن السياسات التى اتبعها النظام السابق فى التعامل مع الفقراء سياسات كانت تتسم بالتحامل؛ وعن قناعة بأن مصلحة المجتمع تقتضى الإبقاء على أوضاع الفقراء كما هى ودون تغيير للأفضل؛ حتى تجد الوظائف التى يؤدونها من يمارسها. ويخدم التحامل على الفقراء أغراضًا كثيرة فهو يُشعر دائمًا أصحاب الياقات البيضاء بالتفوق، كما يتيح بذكاء الإبقاء على الوضع الراهن فى المجتمع. ففى كل مجتمع توجد مجموعة من الوظائف التى لا يقبل كثير من الناس عليها؛ إما لكونها بغيضة أو خطيرة وإما لكون الناس قد تعارفوا على حقارتها. ولم يكن أمام النظام سوى طريقين لإشغال هذه الوظائف: الأول أن يعمل على رفع أجور العاملين بهذه الوظائف، ولكن نظرًا لخشيته من أن يتركوها، لم يكن أمامه سوى الطريق الثانى وهو استغلال العاطلين عن العمل من الفقراء والزج بهم للقيام بتلك الأعمال فى مقابل أجور منخفضة للغاية؛ بما يضمن استمرارهم فى القيام بتلك الأعمال؛ ومن ثم يُؤمن وجود الفقر انجاز تلك الأعمال، فضلاً عن اعتقادهم بأن وجود الفقراء يساعد على زيادة الحراك الاجتماعى إلى أعلى؛ حيث انضمت إلى الطبقة الوسطى جماعات عديدة نتيجة لمكاسب ضخمة جنتها من بيع الفقراء لبعض السلع التى غالبًا ما تكون غير قانونية، مثل المقامرة والمخدرات، وتجارة الأعضاء، تلك التجارة التى تعتمد بشكل أساسى على الفقراء الذين يبيعون أجسادهم مقابل الحد الأدنى من العيش الكريم. والفقراء هم دائمًا عمال الفاعل الذين يتحملون تكلفة التغيير وهم الذين يؤدون الأعمال القاصمة للظهر فى بناء المدن، وهم الذين يُطردون من مساكنهم فى العادة لإتاحة أمكنة للتعمير. وعادة ما يشترى الفقراء السلع التى لا يرغب الأغنياء فى شرائها؛ مما يُطيل الفائدة الاقتصادية لهذه السلع مثل الخبز البايت والفاكهة والخضروات الموشكة على التلف والبيض المكسر والملابس المستعملة. كما يقبلون على التعامل مع الأطباء والمحامين والمدرسين الذين لا يُقبل الأغنياء على التعامل معهم؛ إما لكبر سنهم أو لحداثتهم وإما لنقص كفاءتهم وقلة تدريبهم، وهم بذلك يتيحون الفرصة لهذه الفئات لزيادة دخلها. وهذا ما يضمن الفرصة سانحة لتفوق أبناء الأغنياء واعتلائهم أرقى الوظائف. فى حالة من تسرب أبناء هؤلاء الفقراء من التعليم واعتلال صحتهم؛ الأمر الذى يدفعهم إلى الانخراط فى مهن والديهم. كما أن وجود الفقراء ييسر الممارسة السياسية ويعمل على استقرارها، فمن المعروف أن مشاركتهم السياسية كانت ضعيفة، وبالتالى فإن اختياراتهم السياسية كانت محدودة، حيث يضطرون إلى بيع أصواتهم إلى مرشحى حزب بعينه. وفضلاً عن ذلك فإن وجود الفقراء يتيح الفرصة للأغنياء لكى يشغلوا أنفسهم بالأنشطة الاقتصادية المربحة، فالخدم مثلاً يجعلون الحياة أكثر يسرًا لمستخدميهم ويتيحون لهم الفرصة لمزيد من الغنى والقوة. بالإضافة إلى ذلك فإن الفقراء يدعمون المستحدثات فى الممارسات الطبية، حيث يُستخدمون كحقل للتجارب فى المستشفيات التعليمية والبحثية. وإذا كانت التقارير تؤكد أن مصر بها أكثر من 37 مليون فقير، فماذا لو استمرت حكومات مرسى فى تحاملها على الفقراء؟ وماذا لو تمكن عمال النظافة والصرف الصحى وسائقو النقل العام وعمال المصانع من تنظيم أنفسهم وأضربوا عن العمل؟ وعمومًا فإن التحدى الحقيقى الذى تواجه دولة الإخوان واستقرارها يتمثل فى كيفية التعامل مع قضايا هذه الفئات واحتياجاتها، بما يضمن استمرارهم فى أعمالهم، خاصة إذا رفعت أجورهم وتحسنت أحوال معيشتهم؟ وإذا كانت هذه هى المعادلة الأصعب.. فماذا يفعل الرئيس؟