السلفية- مَسْلَكاً وأداءً لا معتقدًا - مدارس ومناهج ومراجع ومرجعيات، وطرق أيضًا، ولكل شيخ طريقة، وأعود بك إلى تجربة شخصية مع فصيل من السلفية، ففى صيف عام 1994م نادى المسئولون فى الدعوة السلفية فى منطقة الهرم، وتحديدًا فى مقرها مسجد النصر بالطالبية إلى عقد اختبار للعمل بالتدريس فى مكةالمكرمة، فى جميع التخصصات، فاجتمع العشرات من الأخوة، وفى مكتبة هذا المسجد الذى كان وقتئذ عامرًا، طرحَتْ لجنةُ الاختبار هذه الأسئلة: أين الله؟ ما المقصود بخلق القرآن؟ وما شروط الولاء والبراء؟ إلى آخر هذا النمط من الأسئلة! والطريف والعجيب أن الاختبار خلا– أو يكاد - من أسئلة التخصص التدريسى؛ والأكثر طرافة وعجباً أن أحدًا من الناجحين المقبولين فى هذا العرض، لم يسافر للعمل بتلك المدارس وقتئذ! وبعد ثورة يناير 2011م، استحضرت الدعوة السلفية المسئولية الدينية والوطنية، واستشعرَتْ قولَ كُلَيْب وائل: لا تَرْهَبِى خَوْفاً ولا تَسْتَنْكِرِى/ قد ذَهَبَ الصَّيَّادُ عَنْكِ فأَبْشِرِي/ ورُفِعَ الفَخُّ فماذا تَحْذَرِى/ خلا لك الجوُّ فبِيضِى واصْفِرِى/ ونَقِّرِى ما شِئْتِ أنْ تُنَقِّرِى/ فأَنْتِ جارِى مِنْ صُرُوفِ الحَذَرِ/ إلى بُلُوغِ يَوْمِكِ المُقَدَّرِ. وجاء اليوم المقدر بسلوك دروب السياسة، فكان حزب النور، ودَعْ عنك الماضى، فالماضى كله جراح! وانظر إلى حزب النور فى تجربته الجديدة فى صيف عام 2012م، حيث عقد بالتعاون مع الدعوة السلفية اختبارات بهدف رفع الثقافة السياسية لدى أعضاء الحزب، وكانت الأسئلة عن: مبادئ الحزب وأهدافه، ورؤيته للنظام السياسى والاقتصادى وإصلاح المنظومة الأمنية، ورؤيته لملف السياسة الخارجية، وملف الأمن الداخلى والخارجى، ومصطلحات علم السياسة، والنظام السياسى، والنظام الدولى، والدولة، والشعب، والأمة، والإقليم، والحكومة، ونحو ذلك. وقبل أن أسترسل: ما رأيك فى النظام وعشق التفاصيل؟!، ولا تشغل بالك بنتائج تلك الاختبارات، التى ناهزت - وعلى عينك يا تاجر- 98%، وهى نسبة مطابقة للمواصفات القياسية لانتخابات الخليع والمخلوع فى النظام الفائت! وبشأن الاختبارين لى ملاحظات، أهمها أنه فى الاختبار الأول كان عدد المتقدمين قليلاً ودون رسوم، أما الاختبار الثانى فالعدد بالألوف وبرسوم؛ أظنك فهمت؟! ولَيْتَك معى فى العشر الأواخر من شهر رمضان الفائت حيث زرت مسجد الرحمة بشارع الهرم، الذى لمعت فيه سابقاً أسماء عدد من الدعاة، وكان قبيل الثورة يهتز من الأنين والآهات من سماع القرآن فى الصلوات، وبعد اعتذارات محمد الكردى – أحد رءوس السلفية بالهرم، وعضو التأسيسية ومجلس الشعب المنحل - عن أخطاء الدعوة السلفية فى التاريخ الغابر(نحو عشرين أو ثلاثين سنة بس)! وتعلُّله بعدم الفهم، خرجتُ من المسجد، فإذا بالقمامة على أطراف أبوابه؛ سألت نفسى: يدعون للرئيس مرسى فى الصلاة، وينتظرونه أن يرسل من يرفع القمامة من أطراف المسجد! قال مرسى: "أعينونى بقوة"، وليس بالكلام. أمر صعب على النفس أن تبلغ من الطريق غايته، وفجأة ودون مفاجأة تجده الطريق الخطأ، والأصعب منه أن تكون ظلَّ غيرك! كنَّا نأمل فى الدعوة السلفية تخريج عددٍ لا بأسَ به من حفظة القرآن العظيم وسنة النبى الكريم، وعدد من الدعاة والمصلحين والناصحين والواعظين والفقهاء أوالمتفقهين ونحو ذلك. تُرَى: هل يمضى حزب النور فى سبيله، أم سيعتزل والدعوة السلفية - أحدهما أو كلاهما - العمل السياسى، ويعودان للسيرة الأولى، والخطأ يستدرك بالصواب؟! وأسألك: عندما ينقطع النور، حتى إذا جنَّ الظلامُ واخْتَلَطْ، هل رأيتَ أو تَذوَّقْتَ "التُّورْتَةَ" قطْ؟! [email protected]