حملات إعلانية للحجز والاستعلام.. تجارة رابحة واستثمار مضمون العائد.. تنافس فى أسعارها الشقق السكنية.. والمقبرة «الفايف ستار» تصل إلى مليون جنيه "تشطيب سوبر لوكس.. قريبة من القاهرة.. على الطريق.. بسعر خيالي.. مقدم وتقسيط طويل الأجل"، ليس هذا إعلانًا لشقة في إحدى المدن الجديدة، للباحثين عن 4 جدران تؤويهم، لكنه إعلان عن مقابر للأموات، والتي أصبح من الشائع مطالعتها في الصحف وعلى شبكة الإنترنت. ويعكس هذا الأمر، تحولاً اقتصاديًا، إذ لم يعد قطاع العقارات هو المجال الوحيد لشركات المقاولات، مع انتشار "بيزنس المقابر" في المدن الجديدة خصوصًا، والتي أصبحت جاذبة لقطاع كبير من المصريين، وتحولت اليوم أيضًا إلى مكان جاذب للأموات. في الشوارع العامة وعلى الطرق الرئيسية وفى الصحف والمجلات وداخل أروقة النقابات والهيئات المختلفة حتى مواقع التواصل، تجد إعلانات المقابر بالتقسيط أو "الكاش" منتشرة فى كل مكان، وبمسميات مختلفة، أطلق على البعض منها مصطلح "الكومبوند"، وسط إغراءات متعددة على رأسها القرب من المحاور الرئيسية والمناطق الحية، الأمر الذى أصبح معه تجارة منازل أهل باطن الأرض تناطح تجارة عقارات مَن عليها. وعلى الرغم من عدم وجود اختلاف كبير بين غنى وفقير بعد الموت، لكن توافر المال هو الذى يفرق، فالفقير لا يستطيع شراء مقبرة سوى فى المناطق النائية فى قلب الصحراء، أو أن يدفن فى مقابر الصدقة، بينما الغني هو من يسكن جسده بعد الموت فى مدينة نصر وأكتوبر والتجمع وبالقرب من المدن، حيث يصل سعر المقبرة الواحدة إلى نحو مليون جنيه. وقال ماهر السيد، صاحب شركة "السيد لبناء وتجارة المقابر"، إن "أسعار المقابر تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى وبحسب المساحة، حيث تبدأ مساحات المدافن من 21 مترًا وحتى 80 مترًا، وكذلك بحسب عدد العيون التى يحتويها المدفن، والتشطيب النهائي، فهناك مقابر يتم تشطيبها بالرخام والبعض بالسيراميك وأخرى بالبلاط". وأضاف ل"المصريون"، أن "أسعار المقابر فى مدينة 15 مايو تبدأ من 65 ألف جنيه لمساحة 21 متًرا، و140 ألف جنيه لمساحة 42 مترا، وفى مدينة 6 أكتوبر طريق الواحات، تبدأ أسعار المدافن مساحة 40 مترًا من 170 ألف جنيه، و220 ألف جنيه لمساحة 80 مترًا". وأشار إلى أن "هناك مناطق أخرى مثل الوفاء والأمل مدينة نصر، والقطامية، والبساتين أوتوستراد، ومدافن خاصة بأكتوبر، يبدأ فيها سعر المدفن من 500 ألف جنيه إلى أكثر من مليون جنيه". وقال ممدوح حسين، رئيس قسم المبيعات بشركة "نور الحق"، إن "الشركة توفر لعملائها مقابر وجبانات بالإضافة إلى المقابر الشرعية (نظام اللحد)، بالتقسيط وعلى فترات مختلفة وبعروض خاصة للشركات والنقابات، حتى تساعد المواطنين على الشراء". وشكى حسين من أن "هناك حالة من الركود حادًا الفترة الأخيرة على الرغم من ارتفاع حالات الوفيات؛ "فلم يعد يشترى أحد مقبرة للمستقبل مثلما كان يحدث في السنوات السابقة". وأوضح، أن "أسعار المدافن شهدت ارتفاعًا كبيرًا على مدار العامين الماضيين نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء وأجرة العمالة"، لافتًا إلى أن "هناك اختلافًا في أسعار المقابر بناءً على التشطيبات: "لوكس وسوبر لوكس، وغير المشطبة ومن دون سور". ولضمان الأمن والحفاظ على حرمة الأموات وحمايتهم من السرقات، تخصص الشركات العاملة في تشييد المقابر، خدمات الحراسة والأمن على المقابر على مدار 24 ساعة، لضمان عدم سرقتها أو الدفن فيها من قِبل غير ملاكها. وامتد "بيزنس المقابر" إلى خارج القاهرة، حتى بات مألوفًا الإعلان عن مقبرة جديدة بسعر مغر. وقال شحاتة أبو سريع، حانوتى بمحافظة بنى سويف، إن "المقابر تنتشر على ضفاف النيل بالجانب الشرقى للمحافظة، وتتنوع بين لحد شرعى على السنة فى الدفن، و"فسقية" وهى عبارة عن مبنى مرتفع قليلًا عن الأرض ويتم وضع جثمان المتوفين كأسرة كاملة داخله. وأوضح ل"المصريون"، أن "المقابر يتم الاشتراك فيها بطريقتين، إما بالنظام الفردى حيث يقوم المواطن بحجز مقبرة له ولزوجته وأبنائه وهكذا، وتكون أسعارها فى حدود 25 آلف جنيه حسب المساحة وطريقة الدفن داخلها، وإما عن طريق حجز حجرة صغيرة يتم قياس أبعادها لتناسب دفن مجموعة من أسرة واحدة أو عائلة واحدة، ويتم الحجز لها، بالاشتراك بين جميع أبناء الأسرة بدفع مبلغ محدد لكل فرد أو رب أسرة من عائلة واحدة، وتتراوح أسعارها من 150 إلى 250 ألف جنيه، حسب المساحة وطريقة البناء وكميات الطوب والأسمنت المستخدمة". وأشار إلى أن "المقابر معروف مواقعها وأماكنها فى جبال القرى والنجوع منذ مئات السنين ولا تتغير مع الزمن، حيث إن جميع أبناء الصعيد يحترمون ويقدرون حرمة الموتى، ويحافظون على مقابر أسرهم وعائلاتهم بالزيارات المتكررة بصورة دائمة وفى جميع المناسبات والأعياد المختلفة". وقال الدكتور محمد جبر، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة عين شمس، إن "أسعار المدافن تختلف من محافظة إلى أخرى، وتكون مرتفعة أكثر فى القاهرة الكبرى والمدن على عكس القرى"، مشيرًا إلى أن "طرح النقابات والهيئات للمقابر أمر طبيعي، فالمقابر تعد إحدى الخدمات التى تقدمها النقابات والهيئات والشركات الكبرى للموظفين، باعتبارها أمرا أساسيا كسائر المساكن". وأوضح ل"المصريون"، أن "هيئة المجتمعات العمرانية تخصص العديد من قطع الأراضى بمختلف المدن والمحافظات، خاصة التى تعانى من ضيق الحيز العمراني، وتقوم ببناء المقابر عليها وطرحها للجمهور بين الحين والآخر مثلها مثل الوحدات السكانية، حيث يشترى المواطن كراسة شروط ويقوم بسداد مبلغ محدد ومن ثم ينتظر القرعة التى يتم إجراؤها علنيا بين المتقدمين". غير أنه أكد أن "العدد الذى يتم طرحه لا يلبى احتياجات الجمهور، وهو ما ينعكس على ارتفاع أسعار المقابر".