أثبتت التجارب العالمية أن المؤسسات التى تمتلك القوة على الأرض (الجيش والشرطة) تمثل أكبر خطورة على نجاح الثورات الشعبية, ولا يخفى على أحد أهمية تطوير الداخلية لاستكمال إسقاط مكونات النظام البائد بما يتناسب مع العهد الجديد لثورة يناير. - لقد لاحظنا أن معظم الصدامات التى حدثت من ماسبيرو, محمد محمود, مجلس الوزراء, العباسية, بدأت بحراك سلمى، طلبا لحقوق مشروعة لكن تم استغلالها لتدبير مذابح عن طريق تمويل استئجار بلطجية مع تصعيد إعلامى لإحداث فوضى عامة كذريعة لإعاقة المسار الديمقراطى لمنع الشعب من اختيار ممثليه وحكامه, أى أن الحالة الأمنية المتردية لم تكن بالأساس نتيجة لانفلات أمنى مجتمعى كما سوقها الإعلام، بل نتيجة لصراع على السلطة بين بقايا مكونات نظام ديكتاتورى ذاهب وبين بدايات نظام ديمقراطى قادم, كان لابد لأجهزة الشرطة والجيش أن تنجح فى حصر مؤثرات الصراع على السلطة فى الإطار السياسى فقط دون تهديد أمن المجتمع والدولة, مما يستلزم أولا ضرورة تطهير الداخلية من القيادات الموالية للنظام البائد. - ويبدأ التطوير بتغيير البنية الفكرية من "العسكرة" إلى "المدينة" بفتح الياء, فالوظيفة الأساسية هى حفظ أمن المواطنين والمجتمع ومؤسساته وليس حفظ أمن الحاكم ونظام الحكم, فتفعيل الديمقراطية والحريات العامة المقررة إسلاميا ودستوريا هى السبيل الوحيد لتأمين الحاكم, "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر", ونحن نلاحظ أن الرئيس الجديد المنتخب يستغنى إلى حد كبير عن الحراسة المشددة ونتمنى أن يستمر كذلك. - والأمثلة كثيرة على تغيير البنية الفكرية خصوصا للقيادات، فمن غير المقبول تصريح الوزير السابق مثلا لمعالجة ظاهرة "ضباط اللحية" بالنص أن اللحية مرفوضة بسبب حسن المظهر والهندام, لأن فى ذلك هجوماً على هوية وثقافة الشعب المقررة دستوريا، لأن إطلاق اللحية سنة نبوية بالإجماع، ولا يعنى ذلك ضرورة السماح للضباط بإطلاق اللحية، فهذه قضية فرعية يتم التعامل معها بالطرق النظامية المشروعة, ثم يأتى التغيير كالآتى: -أولا: كلية الشرطة: المعلوم أن ضابط الشرطة يعمل فى عمق المجتمع المدنى بين المواطنين وليس على الحدود أو بالمعسكرات مثل ضابط الجيش، فلماذا يتم عسكرة الكلية, المقترح أن يذهب طالب الشرطة إلى الكلية ويعود لمنزله يوميا مثل كل الكليات مع ضرورة وجود كليات شرطة مختلفة بعدة محافظات، وتكون تابعة لإدارة الجامعة الموجودة فى المحيط الجغرافى مثل باقى الكليات، مع وجود إدارة مشتركة مع وزارة الداخلية بخصوص الجانب الفنى الشرطى. - ثانيا: وزارة الداخلية: يكون الوزير شخصية مدنية سياسية لتحقيق أجندة أمنية لحساب المواطنين والمجتمع فى دولة مدنية ديمقراطية بدلا من شخصية أمنية لتحقيق أجندة سياسية لحساب سيطرة الحاكم الديكتاتور فى دولة بوليسية. - حصر سيطرة الوزارة على المجالات الأمنية فقط، فما علاقتها بقرعة الحج والسجل المدنى والرقابة على المصنفات الفنية والتعيينات بالمناصب الرسمية بكل الوزارات والجامعات والهيئات وخلافه، فكل ذلك كان لقهر المجتمع تحت قبضة الداخلية لحساب الديكتاتور لأنه لا يمتلك الشعبية والشرعية. - يستحيل إدارة أمن دولة كبيرة مثل مصر تكتيكيا تفصيليا بشكل مركزى، مثل الآن إلا لاستهداف الدولة البوليسية, المقترح هو مديريات أمن مستقلة تحت سلطة المحافظ المدنى المنتخب بكل محافظة مع إدارة مشتركة مع الداخلية بشأن الجانب الشرطى الفنى, فضلا عن وجود بعض الاختلاف فى الفلسفة الأمنية بين محافظات الصعيد والوجه البحرى والسواحل وبدو سيناء, وكما هو ملاحظ فى اختلافات الفلسفة الأمنية والقوانين فيما بين الولايات المختلفة فى أمريكا مع اشتراك الجميع فى السياسات الأمنية الإستراتيجية للدولة ككل. - وأخيرا لا داعى لعسكرة الرتب الوظيفية مثل لواء وعميد ونقيب, فمثل معظم دول العالم المتقدم الديمقراطى، الضابط موظف مدنى وليس عسكريا، وله زى رسمى مدنى بدون نياشين ولا رتب ولا نجوم على الأكتاف. ومن المقترح التغيير الشامل للزى الخاص بأفراد الشرطة كعامل نفسى إيجابى يعبر عن بداية مرحلة مدنية لاستعادة الثقة بشأن علاقة المواطن برجل الشرطة فى عهد جديد بعد ثورة من أعظم الثورات باعتراف معظم قادة ومفكرى العالم. [email protected]