لن أحدثك عن حكم الربا، من حيث الفضل أو الزيادة، فهذا ليس بضاعتي، كما أنه أمر لا تبلغه ناصيتي وقامتي، ولا فضل في المعركة الدائرة حول قرض صندوق النقد الدولي من حيث الحل والحرمة، ولا زيادة على ما جاء في التصريحات المنسوبة إلى رموز في الدعوة الإسلامية من أفراد أو أحزاب أوهيئات شرعية غير حكومية، هي رموز، وليست علامات، فالعلامات تكون فارقة بين الحق والباطل، بين الحكم والفتوى، بين الحل والحرمة، وللأسف فنحن لسنا في زمن العلامات، لأن العلّامة مات، وهنا كان لي بعض الوقفات: إليك الأولى: -ولا مؤاخذة يعني- هي سقوط الديكور، والسقوط في اللغة والطبيعة يكون إلى أسفل، والسُّفْلُ والسُّفُولُ والسُّفَالَةُ والسِّفْلُ والسِّفْلَةُ والسَّفَالُ: نَقِيضُ العُلْوِ والعُلُوِّ والعُلَاوَةِ والعِلْوِ والعِلْوَةِ والعَلَاءِ، ورحم الله أبا العلاء.والديكور –والله مثبت العقل والدين- لفظة معربة، عن الفرنسية من أصل لاتيني، تدور معانيها حول الزخرفة والتزيين والتدبيج والتحسين، من الآخر تدل على شيء من غير أصله وفصله. لن أذهب بعيدا، يلتقط أحدهم خبرا عن قرض صندوق النقد، فيسارع أو يتسارع -بوعي أو بغيره-مفتيا بحله أو حرمته، ولأن البلد سداح مداح، ينزل الملعب آخرون يسبون ويشتمون وعن ألفاظ التجريح لا يتورعون، وتبدأ المناوشة والمهاوشة، وعلى مرأى من خلق الله ومسمع يتعاركون ويتشابكون؟! والثانية: قرأت على الشبكة اللقيطة –وما أدراك ما اللقيطة- الموسومة بالإنترنتلأحد أولئك "الرموز": "التزاماً بأحكام شريعتنا الغراء، أرفض هذا القرض الربوي من الغرب، وليكن هذا الرفض عزةً للإسلام وعزةً لمصر بالإسلام، وإن كان لابد منه فليكن قرضًا حسنًا من أي من الدول الإسلامية".ويذكر ثانٍ على الموقع ذاته: "أرفض رفضاً باتًا ما قامت به حكومة الأستاذ هشام قنديل بالاقتراض الربوي من صندوق النقد الدولي لأمرين: الربا محرم بالقرآن والسنة والإجماع، الربا يمحق البركة ويدمر الاقتصاد؛ لقوله تعالى:"يمحق الله الربا"؛ لذا أهيب برئيس الوزراء أن يسلك طريقًا مشروعًا آخر فخيرات البلد كثيرة".ويقول ثالث على الموقع ذاته أيضاً: "التعامل بالربا قبول للحرب مع الله ، والحرب مع الله نتائجها معروفة؛ سُخْطٌ وغضب، مَحْقٌ للبركة، حرمانٌ من الخير، خُذْلانٌ لمن لم يَتُب". ومعذرة هو الذي ضبط خُذلان بضم الخاء، لأنه لم يبلغه أنها بكسر الخاء في معجمات اللغة، وأشك أنه قرأ أو أتم قراءة معجم ولو يسير، كما كان السلف كذلك يفعلون. وهنا كان لي بعض المؤاخذات، ولن أقف عند الألفاظ والعبارات: على المتصدرين لمشهد الدعوة إدراك أنه ثمة فرق واضح بين الخطاب الدعوي الوعظي والخطاب الفقهي، بين موقع المسؤولية وموقع المساءلة. فلماذا لا يدعو هذا الرمز أو ذاك الدول الإسلامية إلى تقديم القرض الحسن لمصر، وما حكم الدول التي تمتنع عن تقديم ذلكم القرض؟ وماذا تفعل الحكومة المصرية إذا ألجأتها الظروف والضرورات إلى مثل هذا القرض حسنا أو غير حسن؟! لماذا لم يجتمع هؤلاء وأولئك- كما اجتمعوا من قبل- لمناقشات جماعية في قضايا أقل أهمية، بدلا من الفتاوى الفردية والتصريحات الإعلامية. لم يخرج علينا أحد منهميطرح حلا بديلا، كأن يُخرج من حلي نسائه جزءا ولو يسيرا، ليكون قدوة لأتباعه، أو يتبرع أو يتصدق بجزء من أجره الإعلامي من الفضائيات أو الأسطوانات، وإن أنس لا أنس مبادرة الفاضل الشيخ محمد حسان، التي لو تمت لكنّا في غنية عن الكلام. والثالثة: وعلى نمط آخر من التفكير، وطريق أخرى في الطرح والتناولترى مواطنة مصرية هي الدكتورة هبة رؤوف عزت، أن "القروض لا تُمنح مجانا، حتى ولو بشروط ميسرة، وأمور الاقتصادأخطر من أن تترك للاقتصاديين، نساء مصر قادرات على جمع 5 مليارات، حملة سندات عامة: أعلن أنا المواطنة هبة رؤوف استعداديلتقديم 30 ألف جنيه مصري لبدء صندوق وطني لدعم المشروعات التي سيذهب لها القرض المقترح من صندوق النقد،إذا كنا جادين بشأن الإصلاح، فالشعب الذي تبرع عبر تاريخه لغايات عربية وإسلامية قادرعلى دفع ثمن استقلاله،أقترح صكوك ملكية عامة للمشروعات". أقول: شتان ما بين النمطين في التفكير، يؤتي الحكمة من يشاء، ففهمناها سليمان، وهو وأبوه في القدر والفضل سيان. للذكرى: في نهاية الإعلان أصلحت الشركة الديكور وباركت لأهل مصر عيد الفطر، فهل يُصلح رموز الدعوة الإسلامية الديكور، فينصلح حال مصر؟! هذا وللحديث تَقِيَّة. الباحث المساعد بمجمع اللغة العربية وأستاذ علم اللغة المشارك بجامعة تبوك [email protected]