ارتبط صوته بشهر رمضان الكريم، إنه الشيخ سيد النقشبندى، فهو فى الذاكرة المصرية السمعية من مثيرى الشجن حول رمضان، ويعد الشيخ النقشبندى من أروع الأصوات التى قدمت الابتهالات الدينية والتواشيح. واستطاع بما حباه الله من صوت ندى قوى، وخشوع وإحساس بالكلمات التى يتغنى بها أن ينقل فن التواشيح والابتهالات من أروقة الصوفية وزواياهم إلى آذان المسلمين جميعا. ولد سيد النقشبندى فى قرية "دميرة" مركز طلخا بمحافظة الدقهلية بمصر فى عام 1920م، ثم انتقل وهو صغير بصحبة أسرته إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وهناك تربى تربية صوفية خالصة، وتأثر بالطريقة (النقشبندية) التى أخذ منها اسم شهرته، وكان والده هو شيخ الطريقة التى كانت تلتزم بالذكر بالقلب، وحفظ فى تلك الفترة القرآن الكريم ونال حظا من الفقه. كان النقشبندى مقرئا للقرآن فى محافظة الغربية بدلتا مصر وكان مشهورا بالابتهالات الدينية داخل محيطه الإقليمى وذاع صيته فى تلك المحافظة، وكان قريبا من محافظها الذى كان يستدعيه فى بعض السهرات الصوفية للإنشاد؛ فكان النقشبندى يهيم بصوته فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم؛ حتى إن المارة فى الطريق كانوا يتزاحمون للاستماع إلى هذا الصوت الفريد فى معدنه وأدائه فكان صوته يروى الآذان والقلوب العطشى إلى ذلك الحب الإلهى. وقد بدأت شهرة النقشبندى فى عموم مصر والعالم الإسلامى متأخرة؛ حيث تعرفت عليه الإذاعات عندما أحيا إحدى الاحتفالات الدينية فى مسجد الحسين بالقاهرة، ثم ازدادت شهرته عندما بثت الإذاعة المصرية برنامجا تحت اسم "الباحث عن الحقيقة"، وكان الشاعر "حمد السيد ندا" من الشعراء الذين كتبوا عددا من القصائد الصوفية التى تغنى بها النقشبندى. أما موقع "النقشبندى" فى الإنشاد فيكاد لا يضاهيه غيره، إذ تحتل ابتهالاته مكانا فى وجدان المسلمين على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم، وقد ترك النقشبندى تراثا كبيرا من الإنشاد ما زالت غالبية الإذاعات العربية تذيعه خاصة فى رمضان، وله بعض الابتهالات باستخدام الموسيقى. ونظرا لروعة إنشاد النقشبندى وقوة تأثيره فى نفس مستمعيه قامت إحدى المخرجات المصريات بإنتاج بعض من ابتهالاته فى رسوم كرتونية للأطفال حتى يتعايش هؤلاء الصغار مع هذه الظاهرة الصوتية والشعورية. وقد حقق النقشبندى صيتا كبيرا فى العالم الإسلامى فزار العديد من أقطاره منها دول الخليج وسوريا وإيران وعدد من دول المغرب واليمن. وكان الرئيس الراحل أنور السادات من المغرمين بصوت "النقشبندى"، وكان عندما يذهب إلى قريته فى ميت أبو الكوم يبعث إلى النقشبندى لينشد له ابتهالاته فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم، وكان النقشبندى أحد خمسة مشايخ مقربين من السادات منهم الشيخ محمد متولى الشعراوى، والشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر. وقد حصل الشيخ سيد النقشبندى على العديد من الأوسمة والنياشين من عدد من الدول التى زارها، كما كرمه الرئيس السادات بعد وفاته عام 1979 فحصل على وسام الدولة من الدرجة الأولى، وأطلقت محافظة الغربية التى عاش فيها أغلب عمره اسمه على أكبر شوارعها فى مدينة طنطا. توفى الشيخ سيد النقشبندى فى ال14 من فبراير 1976م عن عمر يناهز السادسة والخمسين عاما، قضى منها شهورا قليلة فى القاهرة استطاع خلالها تسجيل أغلب ابتهالاته.