لم يخالجنى شك منذ أن اندلعت الثورة السورية بأن أيام النظام الطائفى الاستبدادى الحاكم باتت معدودة، وأن سنّة الله فى سقوط أنظمة الاستبداد والفساد قاضية، وأنه مهما طال ليل الظلم فلا بد من طلوع الفجر. لم يخالجنى شك رغم القبضة الأمنية الحديدية، ورغم المجازر الوحشية، ورغم الدعم الدولى اللامحدود بالسلاح وبالفيتو فى مجلس الأمن (روسيا والصين) والإقليمى بالسلاح وبالمرتزقة وبتحريك حزب الله فى لبنان(إيران) فالمعادلة الاجتماعية والسياسية قاضية بأنه كلما ازداد بطش النظام الطائفى استبدادا وفسادا زاد إصرار الشعب على نيل حريته، وكلما ارتفعت ضريبة الحرية زاد تمسك الناس بها والإصرار عليها. تشكلت المعارضة السورية من مختلف فئات الشعب بما فيهم الطائفة الدرزية المسماة علوية وتكوّن الجيش الحر من العناصر التى أعلنت انشقاقها عن النظام وجاهدت جهادا مريرا ضد وحشية آلة عسكرية باطشة وتداعى النظام حتى كان انشقاق رياض حجاب رئيس الوزراء وبمعايير النظم المستقرة يعد رئيس الوزراء أرفع درجة بعد رئيس الدولة، ولكن بمعايير النظم المستبدة تشكل العصابة، التى تحكم العمود (الفقرى) الأساسى للنظام وهى عبارة عن أسرة واحدة تتشابك مصالحها بما يجعلها تخوض حربا قذرة لا بديل ثالث فيها إما حياة وإما موتاً، ولعل ذلك ما خفف من أثر انشقاق رئيس الوزراء وقبله السفراء والقناصل والرتب العسكرية العالية. لم يخالجنى شك على مدار أكثر من عام ونصف أن سقوط نظام الأسد أصبح وشيكا (سنّة من سنن الله فى الكون وعالم الاجتماع) فعندما يفقد نظام سياسى مقومات بقائه، ويفقد شرعيته ويخوض حربا لا هوادة فيها ضد شعبه فقد آذنت شمس النظام الاستبدادى بالمغيب، وعندما يصر الشعب على حريته ويدفع فى سبيلها الغالى والرخيص بل يقدم روحه فداء لها فقد آذنت شمس الحرية بالشروق. لقد أحرق الشعب السورى مراكبه مع النظام الطائفى وخاض غور معارك لا تبقى ولا تذر، إما نصراً وإما شهادة. وخرج الشعب السورى يريد حريته من نظام طائفى جثم على صدره عقودا طويلة وحان وقت الخلاص مهما كان الثمن. لقد دقت يد الشعب السورى مضرجة بالدم باب الحرية، وحتما سيفتح. لا تراجع ولا تفاوض ولا قبول بأنصاف الحلول ولا أنصاف الثورات وليتعلموا من ثورة يناير المصرية. أوشك نظام الأسد الطائفى على السقوط فهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ولولا شبكة المصالح الدولية (روسيا والصين) والإقليمية (وإيران) لوقع من زمان، ولما ظل بشار فى الحكم يومًا واحدًا. إن من يعمل ضد مصلحة الشعب السورى، هو هذه الشبكة من المصالح الإستراتيجية ومواقع النفوذ الدولى والإقليمى، إنما أوشكت هذه الشبكة على التفكك بفعل الحراك على الأرض وبفعل إصرار الشعب السورى ومقاومته الفذة التى أبهرت العالم، والمساحات الجديدة، التى يحررها كل يوم الجيش الحر من الأرض السورية. آخر كلمة كان مما تردد كثيرًا - على مدار أكثر من عام ونصف- مقولة الشعب السورى: يا الله... ما لنا غيرك يا الله.