الفساد كان سمة الوضع فى مصر، فكان فسادًا فى كل شىء من القمة إلى القاع، ولم يكن يمر يوم حتى توافينا الصحف بأخبار عن استيلاء مسئولين على أموال الدولة أو بيع ممتلكات عامة بأسعار تقل كثيرًا عن قيمتها الفعلية نظير الحصول على عمولات أو رشاوى، حتى العلاج على نفقة الدولة الذى كان من المفترض أن يتمتع به المواطن الفقير أصبح من حق حفنة من ذوى النفوذ، فالفساد فى مصر وصل إلى حد الذروة من بعض السادة المسئولين، حيث تذهب أرواح الناس المعدمين أصلاً فى حوادث القطارات والعبارات أو من خلال الأمراض سواء عن طريق الغذاء الذى يتناوله المصريون وصولاً للدم الملوث، كل هذه المصائب تسبب فيها بعض مسئولى هذا البلد الذين انشغل معظمهم فى نهب ثروات هذا البلد من أكبر مسئول إلى أصغر مسئول، فكل منهم على قدره يخطط كيفية الاستيلاء على المال العام بل ويتفننون فى ذلك لتزداد أرصدة هؤلاء ويزداد فقر الدولة والمواطنين الفقراء أصلا حتى قاربت الطبقة المتوسطة على الانقراض وتصبح الدولة مديونة، وهذا هدف كل فاسد من الذين باعوا شركات القطاع العام المملوكة أصلاً للشعب فى إطار برنامج فاسد وعقيم للتفريط فى أملاك الشعب بأبخس الأسعار، وكأن هذه الأملاك قد ورثوها عن أجدادهم دون حياء أو حمرة خجل. لقد وصلنا إلى مرحلة أنه أصبح من يتقلد منصبًا فى مصر يتفنن فى نهب ثروات البلاد دون حساب أو عقاب ولم لا فهو فوق القانون لا يستطيع أحد أن يحاسبه، وطالما كان الكبار قدوة فى النهب فكيف يحاسبون الصغار. إن المجالات التى انتشر فيها الفساد شملت جوانب كثيرة منها المشتريات الحكومية والمناقصات والعطاءات والمقاولات وبيع الشركات العامة، ووصل الفساد قمته وذروته فى مجال الإعلام فى ماسبيرو الذى حقق خسائر تقدر بما يقرب من 12 مليار جنيه طبقاً لتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، والذى يستوجب إقالة مسئولى الإعلام الرسمى جميعهم لا استمرارهم فى مناصبهم ليلقوا إلينا بالتبريرات الساذجة. أنا فى اعتقادى أن كل من تسبب فى إهدار المال العام سواء مسئول حالى أو سابق وتضخمت ثروته من منصبه هو من أشد أعداء الدولة والشعب، ولا يقل خطرًا عن العدو الخارجى، حيث يعين المسئول من هؤلاء لا يمتلك إلا مرتبه وبعد عدة أعوام يصبح من أصحاب المليارات والقصور دون أن يجرؤ أحد أن يقول له من أين لك هذا؟ فما بالنا برجال الأعمال الذين دخلوا الوزارة وتضاعفت ثرواتهم وثروات شركاتهم أثناء توليهم الوزارة، نحن لسنا ضد رجال الأعمال ولسنا ضد الربح فكل هذا يصب فى مصلحة الاقتصاد المصرى ولكننا ضد استغلال هؤلاء لمناصبهم للاغتناء على حساب الشعب وأمواله العامة. إن ملفات الفساد كثيرة ومتعددة ومتنوعة، فيجب على الدولة فى هذه المرحلة الفاصلة الجديدة التى تؤسس لعهد قادم من تاريخ الأمة أن تتحرك لمواجهة الفساد وجيوبه فى شتى المجالات، وبالتوازى مع محاولة رفع الظلم عن محدودى ومعدومى الدخل الذين عانوا طوال سنوات عجاف.. كما يجب الالتفات إلى أننا فى حاجة ماسة إلى النظر فى العشوائيات التى تحيط بالقاهرة الكبرى، والتى تعتبر نتاج فساد أيضًا بل وأصبحت قنبلة موقوتة تهدد الأمن ويجب احتوائها والنهوض بها لتحسين مستوى المعيشة لهؤلاء المصريين الذين عانوا كثيرًا فى ظل حكومات سابقة لم تلتفت إلى هؤلاء. إن الفاسدين من المسئولين الذين قرأنا عنهم مؤخرًا ليسوا هم نهاية الفاسدين بل إن هناك المزيد لم يتم كشفه، إن أصحاب هذه المليارات لو ثبت فعلاً تربحهم بطريقة غير مشروعة فلابد أن تصادر هذه الأموال لصالح الشعب؛ للنهوض بجميع العشوائيات، ولتنمية مواطنيها؛ لتحسين مستوى معيشتهم، ولينخرطوا فى الحياة الاجتماعية بأسس واضحة ودور مطلوب، والشىء اللافت للنظر أن الناهبين للبلاد لم يكتفوا فقط بنهب ثروات الشعب بل حاولوا بشتى الطرق حكم الشعب بيد من حديد كى لا يحاسبهم أحد حتى انفجر الشعب وخرج يطالب بالعدالة والمساواة. إن مصر أيها السادة كانت محتلة ليست من قوى خارجية بل من الفساد، فكان على شرفاء هذا البلد أن يهبوا لتحرير مصر من الفساد، وأنا هنا لا أتحدث عن الشباب فقط الذى قام بهذه الانتفاضة الكبيرة ولكن هؤلاء الشباب كانوا الشرارة الأولى لثورة الشعب الذى قام على قلب رجل واحد لحساب الفاسدين من على صدر هذا البلد وجعلوا مصر تكية لهم. حينما ينتشر الفساد يغيب العدل، وتزداد حدة الصراع الاجتماعى، ويسود الإحباط، وينمو العنف، وتسقط القيم الاجتماعية، مما يؤدى إلى ضعف الانتماء الوطنى. لقد حان الوقت لكشف الفساد داخل الدولة برمتها لكى تصبح خيرات مصر لشعب مصر، وليعلم شعب مصر أن كل مصرى هو صاحب حق فى هذا البلد. إن ملفات الفساد كثيرة كما ذكرنا من قبل وسوف نتكلم عنها لاحقاً وإن كان ما سنبدأ به هو ملف فساد الإعلام بشقيه الخاص والرسمى الذى لم يصل الفساد فيه للركب فقط بل قد غمر الرؤوس، وفى النهاية تبقى كلمة أخيرة للسادة المفسدين والفاسدين.. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.... وللحديث بقية..