في 9 يوليو 2018 كانت الزيارة الثانية لأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد (الزيارة الأولى كانت في 2009) في وسط أجواء إقليمية ودولية مضطربة وفي وسط عالم عربي يحيط به عدم اليقين. ويبدو البعد الاستراتيجي من الزيارة واضحا في ذلك التضافر العجيب بين: 1- الاتفاقيات الاقتصادية والاتفاقيات السياسية وأبعادهما الأمنية. 2- وفي ذلك المزج المقصود بين القضايا والموضوعات الحالية والآنية وتلك المستقبلية. 3- وفي التفاهم المشترك والمشاريع المشتركة حول القضايا التي تهم الكويت خاصة مثل: (رؤية الكويت 2035)، وكذلك مشروع مدينة الحرير والجزير الكويتية، والقضايا التي تهم الصين خاصة مثل: (مبادرة الحزام والطريق). حيث تم التشكبيك الاستراتيجي ما بين: - رؤية الكويت 2035 التي تقوم على تعزيز التحول التدريجي إلى اقتصاد متنوع ومبني على المعرفة يجعل الكويت بيئة مشجعة للاستثمار ومركزًا اقتصاديا ومالياً في الممرات الاقتصادية العالمية. - ومبادرة الصين المعروفة باسم "الحزام والطريق" والتي كانت الكويت أول دولة توقع مذكرة تفاهم مع الصين بشأنها عام 2013 حيث ربطت بالرؤية الاستراتيجية للدولة: "جعل الكويت مركزا اقتصاديا عالميا". وهي رؤية تركز على استثمار الكويت لموقعها الاستراتيجي في منطقة شمال الخليج العربي وهو ما يكفل تحولها لأحد المراكز المالية والتجارية العالمية إذا كانت من ضمن المحطات المهمة في الممر الاقتصادي لمبادرة الحزام والطريق. كانت حصيلة الزيارة 7 اتفاقيات ومذكرات تفهم في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية، وما ترتب عليها من الدخول في شراكات استراتيجية وتوجيهات واضحة بترجمة هذه الاتفاقيات إلى مشاريع مشتركة. وكان الأخطر من تلك الشراكات الاقتصادية هو البعد السياسي لها ومن وراءه البعد الأمني والعسكري. إن هذا التوجه الكويتي صوب الصين معناه أن تكون الصين شريكا أساسيا في ترتيبات منطقة الخليج، فالدولة التي تستثمر أو بمعنى أدق تدفع في مشاريع وشراكات استراتيجية المئات من المليارات لها الحق في حماية تلك الأموال (ستستثمر الصين مليارات الدولارات في جزيرتي فيلكا وبوبيان الكويتية، وذلك لمدة مدة 99 عام، شريطة الصين إيداع وديعة قدرها 50 مليار دولار كقيمة متجددة لحساب الحكومة الكويتية، كما ستدفع الصين 40 مليار دولار لمدينة الحرير الكويتية لجعلها المركز المالي في العالم العربي). وبذلك يمكن القول بشيء من اليقين إن: التحالف الاستراتيجي الكويتيالصيني إذا دخل حيز التنفيذ وأصبح واقعا اقتصاديا وسياسيا على الأرض فقد تغيرت معادلات التعاون والصراع في منطقة الخليج. ورسمت شبكة جديدة من شبكات التحالف والصراع عمادها المصالح الاستراتيجية التي تقر جميع المواثيق الدولية حق الدفاع عنها بكل السبل. لكن علينا ألا نبالغ في التوقعات من تلك الشراكة الاستراتيجية أو نرفع سقف الطموحات التي يمكن أن تتحقق جراء ما تم من اتفاقيات ومذكرات تفاهم ذلك أن الصين إن كانت قوة اقتصادية بالفعل فهي قوة سياسية كامنة، وحليفا مستقبليا أكثر منه داعما ونصيرا حاضرا. فالصين من حيث القوة الاقتصادية هي ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وأول دولة في استيراد النفط وخاصة نفط الشرق الأوسط، والأكثر تصديرا في العالم فهي بالفعل مصنع العالم، ولا ننسى طبعا أنها عضوا دائم في مجلس الأمن مع ما لذلك من تأثير في الميزان الاستراتيجي الدولي. لكن أيضا علينا أن نؤكد على عدد من حقائق: 1- إن قدرات الصين العسكرية في الميزان الدولي محدودة (ميزانية الصين العسكرية تبلغ ربع ميزانية الولاياتالمتحدة). 2- ليس للصين تاريخ عسكري خارج حدود نفوذها الإقليمي، فليس لديها أساطيل حربية عابرة للبحار، ولا تملك قواعد عسكرية قريبة من المنطقة تمكنها من لعب دور عسكري حيوي. 3- يبدو واضحا من استراتيجية الصين الدولية أنها لا ترغب في لعب دور دولي خارج منطقتها الحيوية أو ما يمكن أن نسميه الحديقة الخلفية للصين والتي تمارس نفوذها الإقليمي فيها إلى حد بعيد. 4- من المهم التأكيد على أن أولويات الصين هي السيطرة إقليمها الجغرافي الموجودة فيها وهو الإقليم الذي تتحرك فيه استراتيجيا، ويبدو أنها ليست لديها القدرة ولا الرغبة ولا الإرادة لمواجهة الولاياتالمتحدة في مناطق الخليج العربي وهي منطقة نفوذ تاريخي للولايات المتحدة. 5- من أهم أولويات الصين هو الولوج إلى مناطق العالم من باب الاقتصاد أولا، والدخول بهذا الاقتصاد من باب السلم والعلاقات الودية. 6- الصين لها مصالح مشتركة مع أغلب القوى الإقليمية الفاعلة، فلها مصالح مع إيران وكذلك مصالحها مع إسرائيل واضحة، ومن ثم فإن القوى التي تريد أن تلعب كل الأدوار في كل القضايا قد لا تحرز الأهداف المطلوبة. ومن ثم فالرهان على الصين اقتصاديا على المدى القصير ناجحا ومهما، والرهان عليها سياسيا على المدى الطويل تعد خطوة استباقية متميزة، لكن تبقى الصين بحاجة إلى أكثر من عقد حتى تكون فاعلا استراتيجيا في المجال الدولي، إنما هكذا ينبغي أن تكون الرؤية الاستراتيجية للدول حيث التخطيط لعشرات السنين وليس للحظة الراهنة.