يتحدث علي بن بكار عن بواعث حزنه فيقول: "منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر!".. وأبو سليمان يقول: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا!!".. ورجل صالح يضرب على قدميه التي تورمت من صلاة الليل ويخاطبها" يا أمارة بالسوء.. ما خلقت إلا للعبادة!!".. وعبد العزيز بن أبي رواد يضع يده على فراشه ويقول: "ما ألينك!.. لكن فراش الجنة ألين منك!!.. وسعيد بن المسيب يصلي الفجر بوضوء العشاء، وما بينهما قيام..أما الإمام الحسن البصري فيجيب على سؤال شغل كثيرين وشغلنا، عن السر العجيب في النور الذي يسطع على وجوه المصلين والمستغفرين في الأسحار؟! والإجابة: "خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره".. النوم تعشقه النفس، والخروج منه في ظلمات الدجى معاناة كبيرة. يزيد الأمر تعقيداً شيطان يضرب على الرؤوس، ويصد القلوب. أما ذنوب النهار فهي شيطان آخر، ينشط بالليل، فيقيد ويحجب ويمنع.. لكن أجواء خاصة، وحدثا جللا بالليل، يدفع عبدا من عباده إلى نفض فراشه وقهر شيطانه.. أجواء تعشقها الروح، وبحضور ملائكي في غياب بشر أنهكتهم الدنيا فناموا بعمق.. أما الحدث الجلل فيخص مالك الملك ورب العباد، الذي يتنزل في الثلث الأخير من الليل.. يتنزل نزولاً يليق بجلاله.. يتنزل ليعفو ويغفر ويستجب. .كيف تغمض الأجفان في وقت نزول الرحمن الرحيم؟! الذين يجاهدون نفوسهم والصالحون أكثر قدرة على استشعار الحدث، فينتبهون وينتصبون..أما القلوب التي يأكلها الصدأ، فتعجز عن إدراك الحدث، فتخمد وتغط في سبات عميق.. لهذا كان قيام الليل عبادة الخواص من عباده، وكان ضرباً من ضروب التميز والتفرد بين الخلق.