يظن بعض الناس أن رمضان شهر الركون للكسل والدعة والتسلية والانغماس فى النوم، وترك الإنتاج بحجة الصيام!! وهذا الفهم مناقض لحكمة الصوم وجلال قدره وعظم منزلته.. فهو شهر العمل والإنتاج بما يوفره من مقومات داخل النفس البشرية المؤمنة الصائمة. فالصائم الحق يعلم يقينًا أن الله مطلع عليه، وأنه سبحانه وتعالى يعلم الجهر وما يخفى، وأن الصيام سر بينه وبين وربه، ففى الحديث "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به" (رواه البخارى).. فالصائم يتركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده، وهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ، وذلك حقيقةُ الصوم. وللصوم تأثيرٌ عجيب فى حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، ودفعها إلى فعل الخيرات - بما فيها تنمية الإنتاج النافع- ، والبعد عن المنكرات، وتزكية الأنفس والأرواح، وثمرته التقوى التى توطن فى النفس المراقبة لله تعالى.. يقول تعالى: ﴿ يأَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183). فالصوم بذلك خير وسيلة للتربية على الرقابة الذاتية، التى تدفع المسلم إلى بذل المزيد فى عمله.. فشهر رمضان فرصة عظيمة للنفس المؤمنة للتربية على الأمانة والإخلاص والإتقان فى العمل، وكل هذا ينعكس إيجابا على الإنتاج الذى أصبحت مصر فى أمس الحاجة لزيادته وتنميته بما يحقق لها الاستقرار المنشود والنهضة المأمولة. إن زيادة الإنتاج والإنتاجية لن يتحقق إلا بالعمل الجاد، فالعمل عنصر جوهرى ورئيس من عناصر الإنتاج وبغيره تصبح الثروات والموارد الطبيعية كلا مهملا، والعمل بحق هو خط الدفاع الأول ضد الفقر والحاجة، وهو الوسيلة الأولى لجلب الرزق، والعنصر الأول فى عمارة الأرض التى استخلف الله فيها عباده وأمرهم أن يعمروها عملاً بقوله تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61). وقد احتل العمل فى الإسلام مكانةً لا تدانيها مكانة؛ حتى اقترن الإيمان بالعمل الصالح فى أكثر من مائتى مرة فى كتاب الله الكريم؛ فلا إيمان يوقر فى النفس إلا بعمل صالح يصدق ذلك من خلال الكدِّ وبذل الجهد، والبحث عن الرزق، وإعمار الأرض.. ﴿ هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك:15).. ومن سره أن يرى الله ورسوله والمؤمنون عمله الطيب المنتج فليتذكر قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105). وعلى ذلك فالصائم لا ينبغى أن يتخذ من رمضان وسيلة للتكاسل والتراخى والإهمال والتواكل فى إنجاز الأعمال، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم نموذجا مضيئا للصائم المنتج، فلم يعرفوا للخمول طريقًا، ولا للبطالة سبيلا، ولا للاعتماد على الغير فى تلبية حاجتهم منهجاً. إن الصيام هو خير معين على العمل وزيادة الإنتاجية ودفع الإنسان إلى توظيف جميع طاقاته المادّية والمعنوية فى عمليّة الإنتاج، وتحسينه، من خلال الاهتمام بعمله إتقانًا وإحسانًا تطبيقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان فى كل شىء" (رواه مسلم) .. "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" (رواه أبو يعلى). وفى المقابل فإن أصحاب الأعمال ينبغى أن يحسنوا التعامل مع العاملين، والعدل فى أجورهم، والوفاء بحقوقهم، والبعد عن استغلالهم، مع تحسين ظروف العمل ماديا وصحيا، ففى الحديث القدسى: "ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بى ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوف أجره" (رواه البخارى). وعن أبى ذر - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله قنية تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم" (رواه البخارى)، وما أروع ما ذكره النبى صلى الله عليه وسلم عن توفية الله عز وجل لأجور الصائمين فى رمضان بالغفران ففى الحديث: "فإنه إذا كان آخر ليلة (أى من رمضان) غفر لهم جميعا(أى للصائمين).. فقال رجل أهى ليلة القدر فقال: لا، ألم ترَ إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وُفُّّوا أجورهم" (رواه البيهقى) .