قال الشيخ الشعراوي :(إذا أردنا أحكام التلاوة فعلينا بالحصري و إذا أردنا الصوت الجميل فعلينا بعبد الباسط عبد الصمد و إذا أردنا النفس الطويل و الفن المستحيل فالشيخ مصطفى إسماعيل و إذا أردنا أن نجمع بين هؤلاء فعلينا بالشيخ محمد رفعت). هو خادم القرآن بحق.. كان مدرسة فريدة في التلاوة ،وهو أول من سجل المصحف المرتل للإذاعة وصاحب المصحف المعلم.. ( حملت ) جماهير المسلمين سيارته في ماليزيا على الأكتاف وهو بداخلها .. وهو القارئ الوحيد الذي قرأ القرآن الكريم في البيت الأبيض الأمريكي. إنه شيخ المقرئين،وإمام الحفاظ الشيخ العلامة محمود الحصري. تربينا على صوته الفخم ،وأحببنا القرآن لطلاوة صوته وعذوبته،وارتبط رمضان بصوته الأخاذ. ولد فضيلة الشيخ القارئ محمود خليل الحصري في غرة ذي الحجة سنة 1335ه وهو يوافق 17 من سبتمبر عام 1917م، بقرية شبرا النملة ، مركز طنطا بمحافظة الغربية بمصر. - فقد سمي الحصري نسبة الى صناعة الأب المكافح الذي كان يبيع الحصر للناس بعد أن يجدلها بيديه، وكانت مشاركات الحصري له عديدة في عمله فيصنع الحصر ويبيعها إلى جانب حفظ القرآن الكريم. - وهو متزوج وله سبعة أولاد. - قرأ القرآن في شبرا النملة - مسقط رأسه - نظير عشرة قروش، ثم قرأ القرآن ولاول مرة خارج قريته في كفر الشيخ علي بكفر الريا طوال ثلاث ليال بمائة وعشرين قرشا. - حفظ القرآن الكريم وسنّه ثمان سنوات ، ودرس بالأزهر ، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن. - وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة سنة (1364ه – 1944م) . - ثم قارئاً بالمسجد الأحمدي (1370ه - 1950 م). - ثم تولى القراءة بمسجد الحسين منذ عام (1375ه – 1955م). - وعُيّن مفتشاً للمقارئ المصرية (1377 ه - 1957م ). - ثم وكيلاً لمشيخة المقارىء (1378 ه - 1958م). - ثم مراجعاُ ومصححاً للمصاحف بمشيخة الأزهر (1379 ه - 1959م). - تولى مشيخة المقارئ سنة (1381ه – 1961م). - وكان أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم سنة (1381ه-1961م)، وظلت إذاعة القرآن بمصر تقتصر على صوته متفرداً حوالي عشر سنوات. - ثم سجل رواية ورش عن نافع سنة (1384 ه - 1964 م). - ثم رواية قالون والدوري والمصحف المعلم سنة (1388ه - 1968م). - وانتخب رئيساً لاتحاد قراء العالم الإسلامي سنة (1388ه - 1968م). - سجل مصحف مشاهير القراء مع القراء( مصطفى إسماعيل – عبدالباسط عبد الصمد – محمود على البنا) سنه (1390 ه - 1970م). وتشرب الشيخ العلم القرآني من شيوخ عصره: 1- الشيخ المقرئ إبراهيم بن أحمد سلام المالكي قرأ عليه القراءات العشر الصغرى من الشاطبية والدرة وأجازه بها بالسند المتصل عن الشيخ أحمد مصطفى مراد المرحومي. وهو على الشيخ علي حسن أبو شبانة المرحومي.وهو على مصطفى الميهي. وصدق عليها الشيخ ابراهيم متولي الطبلاوي ، والشيخ عبد المجيد محمد المنشاوي ، والشيخ حافظ علي عبده ، والشيخ مصطفى أحمد والشيخ محمد محمد العقلة والشيخ محمد يوسف حمودة والشيخ ابو العزم محمد مصطفى. 2- شيخ القراء بالديار المصرية في وقته الشيخ عامر السيد عثمان 3- الشيخ علي محمد الضباع، شيخ القرّاء بالديار المصرية. 4-وله إجازة من الشيخ عبد الفتاح القاضي مؤرخة في ذي القعدة 1378 ه وقد أنعم الله عليه ورفع ذكره في العالمين: - ففي عام 1954اختارته الحكومة السعودية لافتتاح الحفل الرسمي لإضاءة مكةالمكرمة بالكهرباء ، بدعوة رسمية. - وفي عام 1960 كان أول من ابتعث لزيارة المسلمين في الهند وباكستان، وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند. - في عام 1963م وفي أثناء زيارته لدولة الكويت عثر على مصاحف قامت اليهود بتحريفها، فتصدى – رحمه الله – لألاعيب الصهاينة. - وفي عام 1965م قام بزيارة فرنسا وأتيحت له الفرصة إلى هداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم. - وفي عام 1973م قام الشيخ محمود خليل الحصري أثناء زيارته الثانية لأمريكا بتلقين الشهادة لثمانية عشر رجلاً وامرأة أمريكيين أشهروا إسلامهم على يديه وذلك بعد سماعهم لتلاوة القرآن الكريم. - وفي عام 1975م كان أول من رتّل القرآن الكريم في العالم بطريقة المصحف المفسّر (مصحف الوعظ). - في عام 1977م كان أول من رتّل القرآن الكريم في الأممالمتحدة أثناء زيارته لها بناءً على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية والتقى هناك بالرئيس الأمريكي جيمي كارتر ويعتبر أول وآخر قارىء يقرأ فى الأممالمتحدة. - ووفي عام 1978م كان أول من رتّل القرآن في قاعة الملوك بلندن، وأذّن لصلاة الظهر في الكونجرس الأمريكي أثناء زيارة وفد مشيخة الأزهر لأمريكا. - وقد سافر إلى جميع الدول العربية والإسلامية وكذلك روسيا والصين وسويسرا وكندا وأغلب عواصم العالم، وقد استقبله أغلب زعماء العالم. - وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم في جميع المدن والقرى ، وقام بتشييد مسجدين ومكتبين للتحفيظ بالقاهرة وطنطا. - أوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في وجوه الخير كافة . لقد كانت عبقرية الشيخ الحصري تقوم على الإحساس اليقظ بعلوم التجويد للقرآن الكريم، وهي علوم موضوعية داخلية تجعل من البيان القرآني سيمفونية بيانية تترجم المشاعر والأصوات والأشياء فتحيل المفردات إلى كائنات حية. وكان الشيخ – رحمه الله – شديد التأثر بالقرآن ، وكان عاملاً بما يقول، وكان ذا ورع وتقوى، كسب الصوت رهبة ومخافة؛ فأثرت خشوعاً وخضوعاً لله عز وجل، مما أثر في آذان سامعيه. يقول الشيخ محمود خليل الحصري : " إن الترتيل يجسّد المفردات تجسيداً حيًّا ومن ثم يجسد المداليل التي ترمي إليها المفردات . وإذا كنا عند الأداء التطريبي نشعر بنشوة آتية من الإشباع التطريبي فإننا عند الترتيل يضعنا في مواجهة النص القرآني مواجهة عقلانية محضة تضع المستمع أمام شعور بالمسؤولية ". أما قراءته فتمتاز بأشياء منها : 1- متانة القراءة ورزانة الصوت، وحسن المخارج التي صقلها بالرياضة. 2- الاهتمام بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء الفن. 3- العناية بمساواة مقادير المدود ومراتب التفخيم والترقيق، وتوفية الحركات. قواعد الترتيل : إن الترتيل ليس مجرد قواعد يمكن أن يتعلمها كل إنسان ليصبح بذلك أحد القراء المعتمدين، إنما الترتيل فنّ ، وغاية في الدقة والتعقيد، ليس هذا فحسب ، بل يحتاج – أيضاً – إلى دراسة متبحرة في فقه اللغة ولهجات العرب القدامى وعلم التفسير وعلم الأصوات وعلم القراءات، وإلى صوت ذي حساسية بالغة على التقاط الظلال الدقيقة بجرس الحروف وتشخيص النبرات، كل هذا أكسب صوت الشيخ محمود خليل الحصري جمالاً وبهاءً وقدرة على معرفة مصاغ الآيات؛ فمثلاً: شعوب العالم الإسلامي التي لا تجيد العربية كانت تفهم الشيخ محمود خليل الحصري وتعرف القرآن منه، وهذه الخاصية منّ الله بها على الشيخ محمود خليل الحصري مما جعله ذائع الصيت في العالم الإسلامي. مؤلفاته: للشيخ رحمه الله أكثر من عشرة مؤلفات في علوم القرآن منها: 1- أحكام قراءة القرآن. 2- القراءات العشر من الشاطبية والدرة. 3- معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء. 4- الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير . 5- مع القرآن الكريم. 6- قراءة ورش عن نافع المدني. 7- النهج الجديد في علم التجويد. 8- أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر. توفي يوم الاثنين 24 نوفمبر سنة 1980 فور انتهائه من صلاة العشاء. لقد ذكرت بعضاً من سمات شخصية الشيخ محمود خليل الحصري – رحمه الله – التي كانت شخصية الإنسان المسلم التي قال فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حينما سئلت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عن خلقه العظيم فقالت : " كان خلقه القرآن أو " كان قرآناً يمشي " ، هكذا كان الشيخ محمود الحصري قرآناً يمشي، فكان قارئاً خاشعاً، فاهماً لكتاب الله، عاملاً على خدمته وحفظه، وعاملاً بآياته، ذاكراً خاضعاً، زميلاً للقرآن وآياته. وكان من اقواله (أن الإيمان إذا دخل قلبا خرج منه كل مايزيغ العقل). إن الشيخ الحصري كرّمه الله – عز وجل – أعظم تكريم، فما من يوم يمرّ إلا وتجد ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تستمع إلى صوته تالياً ومرتلاً لآيات الله عز وجل، وهذا إن شاء الله من الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به صاحبه إذا انقطع ذكره، ونُسِيَ اسمه، و اندرس قبره.