لا أجد تفسيراً لإصرار جماعات تنتسب لما يعرف بالإسلام السياسى على التأكيد دوماً على كون الدكتور محمد مرسى مازال رئيس مصر الشرعى إلا أن يكون هذا نوعاً من أنواع الهذيان السياسى والتاريخى بتأثير صدمة لم يفق منها هؤلاء حتى بعد مرور خمس سنوات من وقوع الصدمة ! أفهم أن يتحدث البعض عن أن الرجل قد تعرض للظلم، وهى قضية تقبل المناقشة، لكننى لا أفهم أن يتجاهل هذا البعض حقيقة أن أى حديث عن استمرارية الدكتور مرسى رئيساً شرعياً للبلاد حتى اليوم هو حديث فاقد لمنطقه الدستورى والسياسى والتاريخى منذ 30 يونيو 2016، ففى هذا التاريخ انتهت أربع سنوات منذ انتخاب الرجل، ولا يجوز بعد هذا التاريخ الحديث عن أى حقوق للرجل فى ثلاث سنوات متبقية له، فهذا ليس منطقاً دستورياً ولا سياسياً، اللهم إلا إذا كنا نتحدث بمنطق دولة الخلافة ونظام البيعة، لا بمنطق دولة ذات نظام جمهورى يأتى رئيسها الشرعى عن طريق انتخابات دستورية ! دعونى - كى أريح أنصار الرجل - أجيب عن السؤال الذى يحيرهم وهو هل تعرض الدكتور مرسى للظلم؟! الإجابة عندى، وبلا أدنى تردد، هى: نعم ! فقد ظلم الرجل نفسه، كما ظلمته جماعته التى أسقطته فى جب الأخطاء والخطايا التى أودت به وبحكمه سعياً وراء وهم تمكين الجماعة، لا تمكين الثورة كما يدعون، ولا تمكين مبادئ الحرية والعدالة كما يروجون ... بغرورهم أوقعوا الرجل بقانون السمع والطاعة فى سلسلة من الحماقات السياسية والتاريخية، منذ الإعلان الدستورى وحتى خطاب الشرعية، مروراً بهرتلة الصالة المغطاة وخطاب قاعة المؤتمرات ! دفع الرجل، ودفعت معه الجماعة، الثمن السياسى والتاريخى لهذه الحماقات، وثمن ما تبع كل هذه الحماقات من غفلة ما بعد 30 يونيو 2013، لكن هذا لا يعنى أن الرجل لم يتعرض لظلم آخر على يد نظام ما بعد 3 يوليو، فقد تم التعامل معه بما يتجاوز العدالة السياسية والتاريخية إلى حالة من الكيد والتنكيل اللذين لا علاقة لهما بقيم العدالة التى لا يستقيم بغيرها أى نظام حكم جمهورى ... كل هذا يمكن قبوله موضوعاً لمناقشات يؤخذ منها ويُرَد عليها، ولكن دون تغاضٍ عما ارتكبه الرجل من خطايا مسؤول عنها انقياده الأعمى وراء جماعته، فالرجل - بشهادة قريبين منه، ممن عاصروا الأحداث وكانوا شهوداً عليها، وأستئذنكم فى الاحتفاظ بأسمائهم - لم يكن يملك قراره، ولا من هم حوله كانوا يعرفون من الذى يتخذ القرارات، حتى وإن كان الرجل هو من يصدر هذه القرارات ويتحمل مسؤوليتها الدستورية وحده ! على الجماعة إذن أن تكف عن التجارة بمأساة الرجل، وعن التجارة بمأساة مصر كلها التى كانت الجماعة هى السبب الرئيس فيها قبل أى طرف آخر، بأن تأخذ قيادات الجماعة وكوادرها ببعض أسباب الحكمة بعيداً عن هذه الهرتلة التى يخدعون بها مريديهم بالحديث الأحمق عن أن الدكتور مرسى مازال الرئيس الشرعى للبلاد؛ فمصر كلها - بسبب حماقاتهم السياسية والتاريخية - صارت تعانى من أزمة شرعية لا يعلم إلا الله متى تنتهى، ولا كيف ! ... أشك كثيراً فى أن يكون للحكمة نصيب فى توجيه فكر الجماعة متحررة من أوهام التمكين وأستاذية العالم، وفى إمكان الجماعة بالطبع - والحال هذه - أن تستمر فى تجارتها بمأساة مصر والمصريين، بمن فيهم أعضاء الجماعة فى السجون، وبما فيها الدماء التى سالت طيلة خمس سنوات مضت من الإخوان ومن غيرهم من باقى أطياف الشعب المصرى، لكن عليها أن تعلم بأن التاريخ لن يرحم من يسخر منه أو يتجاهل حكمته، وأن المستقبل لن يفتح أبوابه أبداً لمن حاد عن طريق الحق حتى وإن رفع رايته بعد أن أسقط موازينه ! أثق يقيناً فى أن من بين المنتسبين لتيار الإسلام السياسى فى مصر - وهو تيار عريض مهما تعامى عنه الحمقى والأغبياء - من سيقرأون هذه الكلمات بعيون الوعى الكامل بحقائق المأزق التاريخى الذى صارت فيه مصر، وصار فيه المصريون، وصارت فيه الدولة القومية المصرية التى يمكنها - إن هى انصلح حالها بعيداً عن نظامها السياسى الذى تعفن - أن تتسع للجميع على اختلاف مشاربهم العقائدية والأيديولوجية؛ كما أثق فى أن غيرهم من المنتسبين لنفس التيار سيستقبلونه بعقول هوجاء لا ترى عيونها إلا مشروعاً ماضوياً أثبتت الأيام أنه سقط حتى من هوامش المستقبل ... هؤلاء الأخيرين هم من الإنس الذين قال عنهم القرآن الكريم إن "لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا" ... أعلم أن أمثال هؤلاء - فى صراعهم الأحمق مع من لا يقلون عنهم حماقة - سيأخذون مصر والمصريين معهم إلى جهنم تاريخية، إن نحن دخلناها فسيكتوى بنارها الجميع ... أدعو الله أن ينجينا منها ومنهم بحق هذا النسيم الذى لم نعد قادرين على الاستمتاع به إلى حين ... اللهم آمين !