ما إن أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن بث مباريات كأس العالم من خلال قنوات مفتوحة غير مشفرة للجمهور فى مصر وبعض البلدان العربية، حتى تسارعت المواقع المصرية على نقل تردد القناة المزعومة، وبين ليلة وضحاها، باتت القناة أشهر من "نار على علم"، فى تناسى متعمد أن القناة لكيان طالما كان وسيظل عدوا للشعب المصرى، بعيدا عن أروقة السياسة ومناورات أهلها، واتفاقيات الطاولة، ومعاهدات الأنظمة. فالكيان الصهيونى حين أنفق 6.3مليون يورو، أى ما يعادل 136مليون جنيه مصرى، لم يكن أحمقا فهو يعلم كيف يستثمر هذا المبلغ ويأتى به رابحا لتغطية هذه التكلفة، ولكن يظل تحقيق الهدف الأهم والأخطر بالنسبة له مسألة حياة أو موت، وهو جذب الشعوب العربية نحو قناته فى محاولة منه لفرض تطبيع شعبى ب"الإكراه" عن طريق التودد بلعبة يعلم يقينا أنها عشق الشعب المصرى والعربى. وبالتالى "الهدف" لنا معروف، لكن ما يثير ليس الاستغراب بل "الاشمئزاز"، هو التهافت بين مواقعنا المصرية على نقل التردد، والمتابع لتعليقات رواد "السوشيال ميديا" لصفحات هذه المواقع، سيجد رفضا واسعا لهذا "التطبيع" المقنع، وإدانات كبيرة لهم لنشرهم التردد، ولكن كلنا يعلم أن هذا التصرف لم يكن عفويا بل كان يحمل بين طياته مكايدة سياسية لدولة قطر التى أخذت حق بث المباريات مشفرة على قنواتها. نعلم أن الخصومة السياسية يمكن أن تجنح بالكثيرين إلى حد "اللا معقول"، لكن ما وصلنا إليه يدعونا إلى الرثاء، فأنا ضد ما تقوم به "قطر" فى المنطقة من دور يفوق مساحتها وتاريخها، ولا ننكر أنها تلعب دورا سلبيا فى المعادلة السياسية المصرية، ولكننا فى النهاية نعلم دوافعها فهى تريد أن تكون قوة إقليمية مؤثرة، ولملء الفراغ الذي خلفه، انسحاب القوى الإقليمية التقليدية والأكبر والأهم في المنطقة لا أقول أن هذا حقها ولكن هذه هى لعبة "السياسة" وحساباتها، كل دولة تبحث عن مصالحها حتى لو على حساب مصالح دول أخرى، والحقيقة والواقع يقول إن إسرائيل هى عدونا الأكبر والحقيقى وإذا كان الإعلام يردد بأن قطر هى الوجه الآخر للعدو الصهيونى وأنها تتعاون معه ، فلماذا نتعاون معه نحن بهذه الطريقة الفجة، فالقطريون لم يكن بينهم وبين الإسرائيليين حروب ولم يسقط لهم شهداء فى معارك معها، وبالتالى تعاونهم معهم أمر وإن جاز التعبير "منطقى" بعيدا عن دماء "العروبة" التى باتت غائبة عن عالمنا العربى، وإذا افترضنا أن قطر تناست دماء شهداءنا المصريين والفلسطينيين واللبنانيين فأولى بنا أن نتذكرهم نحن لأننا أولى بدماء أسلافنا وأبناءنا، وإن تغافلت قطر عن مذبحة صبرا وشتيلا وقانا وتل الزعتر، فليتذكر إعلام مصر مجزرة بحر البقر وجنودنا الذين استشهدوا من أجل عودة أراضينا وحفاظا على كرامتنا، فلتذهب المكايدات السياسية للجحيم، لنكن أكثر تعقلا فى معرفة أعداءنا الحقيقيين، وإذا كنا غير قادرين على لعب "السياسة" فعلينا ألا نلقى اللوم على الآخرين.