القبض مؤخراً على محافظ المنوفية، أظهر لنا مرض خطير ومتغلغل في مجتمعنا المعاصر. لن ابالغ إذا قلت أنَّ هذا المرض قد يكون أسوأ وأشد تأثيراً على المجتمع من فيروس سي مثلا، وهو أخطر وأعمق من الأُمية. هذا المرض هو الانفصام الديني الذي بدا واضحاً للجميع في موقفين; الموقف الأول وهو لزوجة المحافظ التي سكتت على زوجها المرتشي ولم تسكت على زوجها الذي تزوج عليها (هذا إن صحَّت الرواية بأن زوجة المحافظ صاحبة بلاغ الرشوة). الموقف الثاني وهي الصورة التي انتشرت لمكتب المحافظ الذي يضع عليه مصحف من الحجم الكبير مع وجود "برواز" من الحجم الكبير أيضاً عليه آية الكرسي. زوجة المحافظ ارتأى لها أن الرشوة الحرام يمكن التغاضي عنها وأكل الحرام يمكن تجاوزه، ولكن رغبة الزوج في التعدد لا يمكن السكوت عنها على الإطلاق. ألا يعد هذا انفصاماً واضحاً في المعتقد الديني لدي الزوجة؟؟!! المحافظ الذي تجرع من مرارة كأس الانفصام الديني لدي الزوجة، قام بنفس الشيء تماماً. لم تمنعه أحاديثه المتكررة عن مواجهة الفساد ونشاطه الدائم في زيارة المصالح الحكومية في أوقات العمل وغير أوقات العمل الرسمية وتحويل العديد من الموظفين المقصِّرين للتحقيق (وهو مجهود طيب جداً كان يحسب له بالطبع). لم يمنعه كل هذا من قبول الرشوة، التي لو قَبِلَهَا أحد موظفي المحافظة، لقطع رقبته قطعاً وقام بإعدامه في مكان عام. لو بحث كل منا ودقق في تصرفاته لوجد نفسه يعاني من نفس الانفصام الذي حدث للمحافظ وزوجته، فهذا المرض ليس منّا ببعيد. قد تكون درجة الانفصام كبيرة وواضحة للجميع مثل الراقصة التي تدفع الأموال للفقراء ليعتمرو من أموالها الحرام. ولا ننسي الفنان عبد البديع العربي الذي قام بدور والد نور الشريف في فيلم العار، حيث كان يرتدي لباس التقوى والكرم والورع أمام الجميع في حين أنه كان تاجراً للمخدرات. كم شخصية من عبد البديع هذا تملأ المجتمع في الوقت الحالي!!!. إنها الشيزوفرينيا الدينية في أبهي صورها. وعلى العكس، قد تكون درجة الانفصام الديني خفيفة وغير ظاهرة مثل من يحافظ على الصلوات الخمس في جماعه ولا يراعي ضميره في عمله مثلا، أو لسانه سليط مع الزملاء والجيران، الخ. دائماً ننتقد الراقصة ونتعجب من أفعالها المتناقضة ولكن لا ننظر إلى أنفسنا وأفعالنا المتباينة بصورة يومية. لدينا الجرأة بل و "البجاحة" في بعض الأوقات أن نسُبّْ ونقذف الراقصة بأبشع الصفات والألفاظ ولا نمتلك الجرأة أن نحاسب أنفسنا ونُعَرِّيها أمام الحقيقة المجردة لأفعالنا المتناقضة. بالطبع، ليس المطلوب منّا مثلاً أن نتوقف عن الصلاة لأننا لا نراعي ضمائرنا في العمل، لكن على العكس، المطلوب مننا جميعا أن نجعل الصلاة التي نصليها ونقف فيها بين أيدي الخالق أن تنهانا عن القبيح الذي نفعله والحرام الذي نسلكه. المطلوب من كل انسان أن يقوم بالتوحيد بين معتقداته الدينية وأفعاله الدنيوية ليلتقيا سويا على طريق واحد، ألا وهو الصراط المستقيم. ومن غير شك، لا يوجد ولا يجب أن يوجد صُرُطْ (جمع صراط) مستقيمه متعددة، إنما يجب أن نتبع جميعا صراطا مستقيما واحداً، نعرفه ونلمسه جميعا في أعماق أنفسنا. فيا من تقرأ كلامي الآن، بينما تنتقد المحافظ وزوجته، عليك أن تبحث جليا في أعماق نفسك وتجرد تفكيرك من أهوائك الشخصية. ابدأ بنفسك واقض على انفصامك. تخلص من الشيزوفرينيا ولا تكن مثل عبد البديع.