لن ينسى المصريون مهما طال العمر تاريخ الثالث من نوفمبر 2016 هذا التاريخ الذى أصدر فيه السيد طارق عامر محافظ البنك المركزى قراره بعد موافقة المهندس شريف اسماعيل رئيس الكومة و الرئيس السيسي على تحرير سعر صرف الجنيه أو ما يُسمى بتعويم الجنيه، حيث كان سعر صرف الدولار قبل التعويم مباشرة 8.85 فى حين تخطى سعره بعد قرار التعويم بأسابيع ال 18 جنيه و لازال حتى كتابة هذه السطور و نحن فى يناير 2018 يقارب ال18 جنيها. مما دعى الكثيرين من المصريين للتساؤل : هل تم تعويم الجنيه أم إغراقه؟!!! والعجيب هنا أننى عندما استرجع كلام ممن قيل عنهم أنهم متخصصون فى الاقتصاد عندما كان يتم استضافتهم فى القنوات المختلفة كانوا يمجدون و يعظمون فى هذا القرار، بل أن السيد طارق عامر ذات نفسه له حوار تلفزيونى على قناة سي بى سي مع الاعلامية لميس الحديدى أواخر 2016 قال فيه بأن الدولار سيصل بعد ذلك ل 4 جنيهات، كما ذكر ايضا اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية الأسبق فى مداخلة له للإعلامى سعيد حسانين فى برنامج انفراد المذاع على قناة العاصمة فى نوفمبر 2016 حيث قال المقرحى بالنص "وأن سعر الدولار فى اكتوبر 2017 لن يتجاوز سعره 7 جنيهات وأن الدولار فى 2018 لن يجد من يشتريه و إن اللى معاه دولار تقوله أجرى ألعب بعيد" معللا بأنه يقول هذا الكلام لما له من خبرة طويلة بإعتباره كان فى مباحث الأموال العامة لسنوات طوال ثم مساعدا لوزير الداخلية، و نفس الكلام أعادة بالنص مع أحمد موسى فى برنامج على مسئوليتى المذاع على قناة صدى البلد، ومرت 2017 بكاملها و نحن الآن فى يناير 2018 فأين هذا الكلام من سعر الدولار الآن والذى لازال يقارب ال18 جنيها؟!!! و بالرغم من تحذيرات بعض الخبراء الاقتصاديين أمثال المغفور له بإذن الله الدكتور صلاح جودة و الخبير الاقتصادى وائل النحاس وغيرهم بأن تعويم الجنيه له عواقب وخيمه على محدودى الدخل خاصة و أن وارداتنا أكبر من صادراتنا مما سيعمل على زيادة أسعار كافة السلع بشكل كبير و أنه يجب تأجيله قليلا، إلا أن القيادة السياسية اتخذت قرارها و تم تعويم الجنيه، بل و مما زاد الأمر سوءا اصدار السيد شريف اسماعيل رئيس الوزراء فى نفس اليوم قراره بإلغاء جزء من دعم المحروقات ( السولار – البزين – الغاز -..... ) مما زاد فى ارتفاع أسعار السلع و أصبح المواطن المصرى لاسيما محدودى الدخل و هم الأغلبية فى موقف لا يحسدون عليه. و منذ صدور قرار التعويم فى 3 نوفمبر 2016 و حتى الآن وأصبحت الأسعار فى ارتفاع مستمر، بل أن بعض السلع قد تشتريها اليوم بثمن و فى اليوم التالى بثمن أغلى و هكذا، ليس هذا و حسب بل أصدرت الحكومة مرة أخرى قرارها منتصف 2017 بإلغاء جزء أخر من دعم المحروقات وأكد وقتها المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، أن رفع أسعار المحروقات مع قرار تعويم الجنيه جعلها أزمة كبيرة، مشيرا إلى أن تعويم الجنيه ساهم في الإسراع برفع الدعم عن المحروقات. و مرت الأيام و نحن ننتظر أن نجنى الثمار التى وعدتنا بها الحكومة نتيجة تعويم الجنيه أو ما قاله اللواء المقرحى فى تعهده بأن الدولار سينخفض انخفاضا شديدا و فى 2018 لن يجد من يشتريه طبقا لما ذكره، ومرت الأيام التى تعتبر خير دليل على كلام البشر، إلى أن وصلنا الآن فى يناير عام 2018 و سعر صرف الدولار 17.75 ثمانية عشرة جنيها إلا ربع. ومختصرا لما سبق فإن بسبب ارتفاع سعر الدولار و رفع الدعم عن المحروقات قلت قيمة الجنيه وأصبحت السلعة التى كنا نشتريها ب 10 جنيهات مثلا سعرها الآن تجاوز العشرون جنيها، أى أن قيمة الجنيه انخفضت لأقل من النصف. ويُرجع المتخصصين بأن هذه الإجراءات تأتى فى اطار تلبية توجيهات صندوق النقد الدولى لإمكانية سداد القرض الذى طلبته مصر من الصندوق بقيمة 12 مليار دولار، و هذا يأخدنا إلى جزئية أخرى ألا و هى إذا كانت قناة السويس الجديدة تحقق كل هذه المليارات و التى تصل إلى 100 مليار دولار سنويا طبقا لما صرحه الفريق مهاب مميش وقت افتتاح قناة السويس إذا فلماذا نقترض من صندوق النقد الدولى و نزيد الأعباء على كاهلنا ؟ أم أن قناة السويس لم تحقق هذه المليارات التى ذكرها المسئولين عنها!!! لذا فأتمنى من الحكومة دراسة أى موضوع دراسة جيدة من كافة الجوانب قبل صدور أى قرار بشأنه، فأرتفاع الأسعار أدى إلى زيادة شريحة المواطنين الغير قادرين على تلبية احتياجاتهم و بالتالى زيادة الفقر، فكيف يكون قد حبانا الله بكل هذه النعم و يكون غالبية المواطنين من الفقراء. كما أتمنى من بعض المسئولين أو ممن يطلق عليهم الإعلام أنهم من النُخبة ألا يخلطوا ما بين بث الروح الإيجابية و بين إيهام المواطنيين بغير الواقع، فرغبة الناس المُلحة فى حياة كريمة تجعلهم يعلقون الآمال على تصريحاتكم و التى سرعان ما يفيقون منها على واقع مغاير تماما لما تم وعدهم به، فالصدق و الشفاقية هى أول طرق التنمية و ليس العكس. و لذلك يجب على الحكومة أن تعيد حساباتها و أن تستغل الموارد البشرية و الطبيعية التى رزق الله بها بلادنا الحبيبة و أن تعيد التخطيط لما هو فيه صالح البلاد و العباد و أن تُولى اهتماما واسعا بالزراعة و الصناعة و السياحة لإنعاش الاقتصاد و ذلك من خلال وضع منظومة تعليمية تواكب متطلبات العصر ننقذ بها اقتصادنا المدنى، و أن نعيد للمواطن ابتسامته و روح الفكاهة التى كان يتميز بها بدلا من جعله يسير يكلم نفسه فى الشوارع و الطرقات من كثرة الضغوط التى أصبحت على كاهله.