لا مانع أن أضع لنفسي - ولا ألزم غيري - قواعد حاكمة عند تناول الشأن الإيراني حتى لا أنجرف إلى مهاوي التعصب/ العنصرية الطائفية، المذهبية، القومية، اللسانية، كعربي سني، وهي فارسية شيعية ، ولا يجب النظر إلى إيران "الشيعية" على أنها الشيطان، وأن غيرها من البلاد "السنية" على أنها الملاك. الشيطان رمز الشر، بلا عقيدة دينية، ولا مذهب، أو طائفة. والشيطان ستجده شيعياً وسنياً. النظام الحاكم في إيران أحد اسوأ الأنظمة في العالم الإسلامي، نظام ديني استبدادي فاشي بالفعل، عنصري متعصب بشكل مقيت، منغلق في زمن الانفتاح والعولمة وزوال الحدود والأسوار ومرونة معانى السيادة في مفاهيمها السياسية لصالح معانى المصالح والمنافع. تسيطر على النظام في إيران أفكار وأحلام قومية إمبراطورية قديمة يريد إحيائها عبر التمدد في البلاد العربية خصوصاً لاستعادة المجد الكسروي القديم الذي زال على أيدي العرب. نظام اليوم لا ينسى الهزيمة والاندحار كأنه وكيل التاريخ ومن في القبور- وتلك آفة عربية أيضاً - ويريد الثأر رغم أن الأجداد كانوا عبدة النار، وناوأوا الدين الجديد، والمفترض أن إيران المسلمة لا تنشغل بالانتقام من إخوانها في نفس الدين لصالح من كانوا على غير هذا الدين قديماً، وكانوا جبابرة على رعاياهم الذين ينتسب إليهم من يحكمون في "قم" و"طهران" اليوم. بعد ثورتها عام 1979 التي تطلق عليها اسم الثورة الإسلامية، كما تطلق على التسمية الرسمية للدولة اسم الجمهورية الإسلامية يوظف النظام القومية الفارسية، والمذهبية الشيعية، لتحقق الأهداف السياسية لبناء كيان امبراطوري جديد تكون عاصمته الأثيرة والعزيزة هي بغداد هارون الرشيد، وعاصمة الخلافة العباسية، وليس طهران، وتلك من المفارقات، وهذا مُعلن على لسان "علي يونسي" مستشار المرشد الأعلى خامنئي، والجمهور المستهدف بدغدغة مشاعره الدينية لجعله في صفها، واعتباره قوة الحشد في الصفوف الأولى لها لتنفيذ مخططاتها الخارجية هم الشيعة العرب في أوطانهم العربية، لذلك تقدم نفسها لهم باعتبارها الأم الرؤوم والداعم والمدافع الأول عنهم والقلب العطوف بهم وعليهم ويمتد ذلك إلى الشيعة في كل بلد ومكان يتواجدون فيه. وهذا كله توظيف بلا مصداقية حقيقية، هي لعبة السياسة، وتوسيع النفوذ، وفي إطار تفعيلها يكون الخداع والكذب مباحاً، وتكون الشعارات المرفوعة وهمية، رغم حماستها وصخبها. إيران لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل التي تتصدر مع أمريكا خانة العدو- الشيطان الأكبر وتابعه -، لكنها لا تتوقف عن إطلاق الرصاص على العرب، إيران ليست عطوفة على شيعة العرب حتى تنفق عليهم الكثير من الأموال، إنما هي تريدهم أذرعاً عسكرية لها تقاتل بهم أنظمة وحكومات العرب، ولو كانت عطوفة حقاً لكان شعبها، وأغلبه من الشيعة، هو الأولى بتلك الأموال الضخمة التي تذهب إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرهم، وهي دول تحارب فيها طهران إما مباشرة أو عبر وكلائها وأذرعها وميليشياتها ومرتزقتها، والضحايا هم العرب شيعة وسنة، ومن قوميات وأديان أخرى. المظاهرات التي بدأت في مشهد 28 ديسمبر 2017 ثم انتقلت إلى مدن إيرانية أخرى هي نتاج طبيعي لحالة البؤوس العامة التي يعيشها الشعب الإيراني منذ 37 عاماً، والذي تعوم بلاده على بحار من النفط والغاز، وتتوفر في أراضيه الشاسعة موارد طبيعية هائلة، لكن كل هذا الخير ليس له وحده، إنما يشاركه فيه غيره خارج حدود بلاده، وهي قسمة ليست من أجل المساعدة الخيرة لشعوب وجماعات عربية ومسلمة فقيرة لوجه الله والعمل الإنساني النبيل، إنما تدفقات الأموال الخارجة في اتجاهات عديدة هدفها شراء الولاءات وبناء الكتائب والميليشيات المسلحة وممارسة التخريب والتدمير في بلاد مسلمة من أجل الدور والنفوذ والتأثير والامبراطورية ذلك الحلم المستحيل، وتلك آفة نظام يعيش في سجن الأفكار القديمة فلا يرى العالم المتحرك المتحرر خارجه.