عندما كنت أسأل من قبل طلابى أو أصدقائى عن ماهية المبادئ الحاكمة للدستور وهل هناك ما يسمى بالمبادئ الحاكمة للدستور؟ كنت أجيبهم بأن تلك المبادئ إنما هى من اختراع الأنظمة العسكرية والديكتاتوريات القمعية مثلما حدث فى تركيا الكمالية والدول الشيوعية البائدة، ومن ثم فإن المبادئ الحاكمة متمثلة فى شيئين فقط أو إن شئت قلت سلطتين تكونان فوق جميع السلطات وفوق الإرادة الشعبية، هاتان السلطتان إحداهما قانونية – مثال ذلك المحكمة الدستورية العليا عندنا- والثانية تنفيذية قمعية – مثال ذلك المجلس العسكرى عندنا- وهذا ما حدث بالضبط فيما يسمى بالإعلان الدستورى المكمل الصادر عن المجلس العسكرى، أخيرًا فالمجلس جعل نفسه فوق جميع السلطات وفوق الإرادة الشعبية، ومن أجل تقنين هذا الوضع جعل المحكمة الدستورية العليا لها أحقية النظر فى كل شىء – الجمعية التأسيسية مثلاً – وكأن المحكمة ستترك عملها لتتفرغ تمامًا لحكم مصر والسيطرة على كل السلطات فيها، وخلاصة الأمر أن هذه المبادئ الحاكمة للدستور – المزعومة – والتى كنا نحذر منها، جسّدها هذا الإعلان المشوه بهذه الصورة البشعة بمعرفة سدنة نظام المخلوع الذين لم يتعلموا الدرس ومازالوا يسعون جاهدين لإرضاء ولى نعمتهم ويطلبون منه الرضا عنهم. أما المشهد الثانى فى هذا الإعلان فيتمثل فى خصخصة القوات المسلحة وتحويلها من ملكية خالصة للشعب المصرى وحده إلى أن تصير ملكًا خالصًا للمجلس العسكرى وأبنائهم من بعدهم يتصرفون فيها كيف يشاءون دون تدخل من القيادة السياسية للدولة والمنتخبة بالإرادة الشعبية. دساتير العالم أجمع تخضع المؤسسة العسكرية للقيادة السياسية المنتخبة، وكثير من الدساتير يتشدد فى ذلك مثل الدساتير المصرية المختلفة، وكذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من الدول، فلا تجعل للمؤسسة العسكرية أى دور فى الحياة السياسية، وكان هذا واضحًا جدًا أيام الرئيس المخلوع مع أنه قد أتى بالطريقة التى تعرفونها جميعًا، ومع ذلك كان ممنوعًا على المؤسسة العسكرية أن تقترب من السياسة فما الذى حدث؟ ثم إن هناك جملة من الأسئلة الملحة، والتى لا بد من الإجابة عنها، من الذى سيعين وزير الدفاع؟ هل هو المجلس العسكرى؟ وهل سيبقى المجلس العسكرى هكذا إلى أن يفنى أفراده مثلاً؟ وهل سيظل طنطاوى وزيرًا للدفاع لنهاية العمر أم ثلاثين عامًا أم لأقرب الأجلين؟ وما الموقف من القادة العسكريين الذين من حقهم أن يحلوا محل هؤلاء، خاصة أن جميعهم قد بلغ سن التقاعد منذ مدة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى أجوبة إلا إذا كان الجيش قد دخلت عليه الخصخصة، وصار ملكًا خالصًا لطنطاوى ومجلسه فوق الدستورى، أم أن القادة العسكريين قد تشبعوا هم الآخرون بفكرة التوريث ويريدون أن يورثوا هذه المناصب لذويهم أو محاسيبهم، هذا الإعلان ولد ميتًا مهما حاول بعض كهنة النظام المخلوع أن يروجوا له، ولا يبقى إلا أن نؤكد دعوتنا للمجلس العسكرى أن يعود إلى أحضان شعبه وألا يسعى إلى تمييز نفسه وألا يعرض البلاد إلى مخاطر سوف يبوء هو بإثمها وستجلب عليه العار إلى نهاية العمر والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. – كلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهر