تشكل مساحته نصف مصر تقريبًا (مصر مساحتها مليون كم) الوادي الجديد يشكل منها 458000كم فى هذا النصف المجهول يعيش ربع مليون نسمة (242 ألف نسمة في 11/2017) وفى النصف الآخر يعيش 95 مليونًا ربعهم فى القاهرة وحدها. القصة بدأتها الحركة المباركة حين قررت إنشاء وادٍ جديد موازٍ لوادي النيل، وكانت أول قوافل التعمير فى 3/10/58 والذى أصبح العيد القومى للمحافظة، بعدها بثلاثة أعوام انضمت المحافظة للتقسيم الإداري لمحافظات الجمهورية، ومن يومها ولم يحدث شيء، ازداد الوادي القديم تكدسًا وفقرًا وازداد الوادي الجديد إهمالًا وهجرًا.. كل المشروعات الكبرى التى وعدتنا بها حركة الجيش المباركة في 1952 من أجل إحداث تغيير جذرى وعميق في كيان مصر الاقتصادى والاجتماعى والسياسى ذهبت هباءً منسيًا.. جملة (مشروع قومى) أصبحت شؤمًا مشئومًا على كل المشروعات القومية الكبرى التى جاءت بعدها في المراحل المختلفة من الجمهوريات المتتالية (جمال/أنور/حسنى)، وما توشكى ببعيد. ولا أدرى لماذا لم يتوقف علماء الاجتماع السياسى عند هذه الظاهرة, أقصد ظاهرة تعثر وفشل كل المشروعات الكبرى.. ولولا الدراسات القديمة التى بدأت عن السد العالى، ولولا إصرار المهندس اليونانى أدريان دانينيوس (طبعًا لا يذكر أحد هذا الاسم رغم أنه كان المبتدأ والخبر في قصة السد العالى من أيام النظام الملكى)، إصراره على فكرة بناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه، وتوليد طاقة كهربائية منه, لكان من الممكن أن تذهب الفكرة كلها في الهواء, ناهيك عن أن من تولى هذا الملف من الضباط كان الصاغ جمال سالم.. المشهور بالاندفاع والمغامرة فتحمس حماسًا كبيرًا للفكرة، وساعد على ذلك الظرف الدولى الإقليمى.. أعود إلى سؤالى السابق أين تكمن جذور مشكلة تكرار فشل المشروعات الكبرى لتصبح فيما بعد حكاية من حكايات النسيان.. هل هى مشكلة الإنسان وأخلاقه وإخلاصه وجديته وجودته أم هى الإدارة بعقلها وفلسفتها وصدقها وتجردها وتجددها جيلًا فجيل.. فكرا ففكر..راية فراية.. يهيأ لى أن هناك "عفريت" يسكن في مشروعاتنا القومية الكبرى فيحيله إلى أطلالنا القومية الكبرى.. ولا ينقص إلا وجود امرئ القيس ليبكى على الأطلال وينادى: قفا بنا نبكى من ذكرى حبيب ومنزل... سنقول كل ما يقال ولن نمل حتى يمل الملل: أمران لم يفعلهما الزعيم الكبير، ولو فعل لتغيرت الدنيا فى مصر والوطن العربى كله.. الأول تعمير الوادى الجديد وسيناء، والثانى الاتحاد مع السودان.. الرجل عمَر شبرا الخيمة وحلوان واتحد مع سوريا!!؟؟ لم يكتفِ بذلك بل عطل النمو السياسى في بلده، وأعطب قدرة الطبقة الوسطى على تشكيل أحزاب وحركات مدنية وبناء الوطن والمواطن.. وغرس خنجر التنظيم الطليعى في قلب الوطن والمواطن.. يتكون الوادى الجديد من أربع واحات رئيسية الداخلة والخارجة والفرافرة والبحرية وبه من الثروات الزراعية والسياحية والمعدنية ما يكفل لمصر كلها عيشًا وفيرًا رغيدًا زراعيًا يستطيع الوادى الجديد أن يكفى حاجة مصر من القمح تمامًا.. هل تصدقون..؟ من أيام الإمبراطورية الرومانية كان كذلك بالفعل؟ ناهيك عن زراعات الفواكه والنخيل (2 مليون نخلة) الدراسات التى تم إعدادها حتى عام 2017 تؤكد إمكانية زراعة نصف مليون فدان.. والمشكلة ليست فى المياه بقدر مدى حسن وسوء استغلال المياه. سياحيًا تتنوع الثروة السياحية بين طبيعية حيث عيون المياه المعدنية الساخنة والباردة التى تستخدم فى الاستشفاء وسياحة دينية إسلامية ومسيحية.. قرية القصر الإسلامية التى تتميز بأن معظم مبانيها من العمارة الإسلامية وهى من أوائل الأماكن التي استقبلت القبائل الإسلامية عند وصولها الواحات سنة 50 هجرية وبها مسجد من القرن الأول الهجري ومساجد من العصر التركى والمملوكى، مثبتة في الآثار أيضًا (منطقة القبوات التى كان يأوى إليها المسيحيون فرارًا من الاضطهاد الروماني قبل أن يأتى الفتح الإسلامي)، وهناك السياحة التاريخية حيث المعابد الفرعونية القديمة (أشهرها معبد هيبس). الثروة المعدنية.. ربوة أبو طرطور أشهر من أن تُعرّف والتى بها أكبر احتياطي عالمي مخزون من الفوسفات فى العالم.. أين ذهب مشروع فوسفات أبو طرطور؟؟ الذى شهد الجميع أن إدارته كانت دون المستوى الإستراتيجي الخسارة فى هذا المشروع بلغت 40 مليار جنيه، وأن مثيله فى أستراليا يحقق ربحًا سنويًا 500 مليون دولار، خط السكة الحديد (70كم) من سفاجا لأبو طرطو سُرق..!! القضبان الحديدية سُرقت!! فى أغرب واقعة سرقة من نوعها اللصوص فكوا القضبان قضيبًا قضيبًا.. ثم انصرفوا في هدوء هادئ..! يمكن للوادى الجديد أن يحل مشكلات الاستثمار فى مجال الثروة المعدنية والصناعات القائمة عليها؛ وهو ما سيزيد معدلات التشغيل، ويساهم فى حل مشكلة البطالة، وسوء التوزيع السكانى.. القاهرة أكثر من 22 مليون نسمة أى بما يعادل مساحة تقل عن ثلاثة أمتار لكل مواطن بينما فى الوادى الجديد بمعدل 3 كيلومترات لكل مواطن!.. من يسأل ومن يجيب عن كل هذه الغوامض المحزنة..؟ ما هو الأمر تحديدًا؟؟ لسنا بلدًا فقيرًا في الموارد هذه أم الحقائق التى ينبغى إعلانها.. من يقول إن الزيادة السكانية تأكل التنمية؛ فليراجع المراجعات والمرجعيات، واسمعوا فاروق الباز، والراحل رشدى سعيد، وممدوح حمزة، ودراسات المركز القومى للبحوث، وما كتبوه عن الوادي الجديد وثرواته ومياهه الجوفية وخيراته؛ التي تكفى 200 مليون، وليس 95 مليونًا.. بل وعن كل الصحراء الغربية. (ثمة ثعلب هناك) هذا الثعلب حريص على فقر مصر وتأخر مصر وتدهور مصر، لقد أصبحت على يقين اليقين _ بعد الذي قرأته عن الوادي الجديد_ أن ما نحن عليه من فقر وتخلف وضعف هو عين المراد وقلب المقصود, لا تتركه يحيا ولا تدعه يموت، لكن التاريخ يقول لنا إن العالم كله يفسح الطريق لمن يعرف إلى أين هو ذاهب. هذا البلد هو مفتاح الدنيا وبوابة العالم.. وحين يقوى وينهض وينعم بقوة الإرادة والغنى وبإرادة القوة والاكتفاء فإنه يمثل وزنًا كبيرًا للمنطقة كلها.. كنت قد تساءلت فى بداية المقال لماذا تجاهل البكباشى سيناء فى الفترة من 1954-1964؟ لماذا ذهب إلى سوريا ولم يذهب إلى السودان؟ ولماذا لم يستكمل مشروع الوادى الجديد وأضيف.. لماذا لم نخرج من عنق الزجاجة سنة 1980 كما وعدنا السادات.. أين الصحوة الكبرى التى كان يبشر بها الراحل د/ أسامة الباز فى أوائل الثمانينات وآه وألف آه من خيانة المثقفين التى وصفها الراحل إدوارد سعيد؟ وأين أرض الفيروز التي منعوا حتى الأغاني عنها (أقصد سيناء) والتى أصبحت جرحنا المفتوح وأعصابنا العارية. سنة 957 م جاء إلى مصر شاعر خطير في رصده ووصفه لما يشاهده ويسمعه من حوله.. اسمه(المتنبى أو الطيب أحمد) لكنه وجد الأمور فيها لا تسير على ما يرام يا إخوتى فقال وقال.. لكن أخطر ما قاله هو هذا البيت: نامت نواطير مصر عن ثعالبها**فما بشمن وما تفنى العناقيد.. (النواطير:الحراس_بشمن :امتلأت كروشهم_العناقيد: كناية عن الثروات التى لا تنضب ولا تفنى)