منذ أسبوع، ذهبت للمعهد القومى للأورام، هذه هى المرة الأولى التى أدخل فيها هذا المكان، يبدأ المواطن المصرى معاناته مع المعهد بالوصول فجرًا إلى هناك ليكون من بين الخمسين تذكرة التى يسمح بها المعهد فى اليوم، يبدأ قطع التذاكر فى السابعة صباحًا، وبعد بلوغ من حصلوا على التذاكر إلى خمسين يتوقف قطع التذاكر، وطبعًا تحدث حالات إنسانية مبكية لمواطنين قدموا من أماكن بعيدة، ولم يسعدهم الحظ فى الحصول على التذكرة للدخول إلى المعهد. قادتنى اتصالاتى إلى وكيل المعهد واسمه عبد الرحمن محمد، وكلمته واقترح علىّ الذهاب يوم الأحد، ورغم ذلك توجه ابنى إلى المعهد صباحًا فطلبوا منه البطاقة الشخصية للحالة ولم ينبهنا أحد لذلك، حاول طبيب نعرفه المساعدة فقطعنا تذكرة بخمسين جنيهًا. وصلت الساعة الحادية عشرة إلى المعهد، وكان الوضع مأساويًا وقاسيًا ومرعبًا وحزينًا ومهينًا ومذلًا بكل ما تعنيه دلالات تلك الكلمات من معانٍ، نظرت إلى الناس الفقراء والمرضى والمعذبين والمتألمين الذين يقاومون بكل ما أوتوا ليتكيفوا مع تلك الأوضاع المأساوية، بعض المسنات يفترشن بلاط المعهد، وبعض المسنين يرفعون أصواتهم متألمين، والأعداد مهولة، وحاشدة رغم أنهم يقطعون تذاكر لخمسين فقط - لا أعرف سبب هذا الاحتشاد، كان الموجودون لا يقلون بحال من الأحوال عند عدة مئات، لا يقلون عن خمس مائة. الفوضى تضرب فى كل مكان والقسوة عنوان فظ للتعامل مع الإنسان، كما لو كان شيئًا غير مذكور على الإطلاق، ينتشر رجال أفظاظ على باب المعهد وعلى بوابات العيادات، يتعاملون بمنتهى الانحطاط العارى عن أى معنى إنسانى مع المرضى. لم أكمل المأساة مع من حضر من أفراد الأسرة فقد اضطرتنى ظروف قهرية للمغادرة، وبقية المأساة حكاها لى من شاهدها، فقد دخلوا لحجرة صغيرة يتوسطها ثلاثة أطباء يجلسون على مائدة، وكانت الحجرة مكتظة بالمرضى أكثر من عشرة، وخاطب وكيل المعهد، ابنى عبد الله: "إنتوا مين"، قال بمنتهى الأدب نحن أبناء فلان وأسرته، قال له "أيوة اللى بيكلمنى كل شويه فى التليفون"، ونظر إلى الإشاعات والتقارير الطبية نظرة خاطفة، ثم قال للمرضى التى تجلس في جانب ضيق من الغرفة المزدحمة وأمامها على الترابيزة أكوام من الملفات. خليهم يعملوا ملف، كانت الممرضة تزق أولادي وزوجتي بيديها المتدربتين على ذلك، خرج أولادى إلى حيث الهواء الطلق أمام المعهد المريع، مواجهًا للنيل، وهم يشعرون أن الله فك أسرهم. السؤال لكل المتاجرين بمعاناة مرضى الأورام، أين الأموال التى جُمعت؟ وأين الاهتمام بهؤلاء المرضى؟ يظهر المبنى من الداخل نظيفًا فقد وجهوا بعض أموال التبرعات لعمل مبانٍ معقولة، أما طريقة الإدارة والخدمة والنظام وتقديم العلاج والرقابة على الأطباء، فتعبر عن التخلف والفشل، يبدو أنهم قالوا لنبنى مستشفيات جديدة، وندع المبانى القديمة ومرضاها يروحوا فى داهية، أهم حاجة أن يكون لدينا شيء جديد.. برجاء المشاركة على نطاق واسع، وعمل حملة لتسليط الضوء على ما يجرى داخل هذا المعهد الذى يعيدنا بالذاكرة إلى مشاهد العنف والقسوة والزجر والسلطة والقمع التى تحدث فى السجون، وليس فى مشافٍ يجب أن تكون عنوانًا للرحمة والتحضر.